يتطلبه المقام، فيستعمل الإيجاز في موطن الاختصار وهو معبر عن التمكن من الفصاحة، وهو مما يستحسن في الكلام، وجوامع الكلم هي الكلمات المختصرة الدالة على معان كثيرة، ويستعمل الإطناب للتأكيد والترسيخ وتوضيح المعنى المراد، سواء بتكرار الكلمة أو زيادة حروف أو تأكيد الكلمة بمصدرها، قال تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً.
والإيجاز من عظمة النص القرآني (١)، واهتم علماء الفصاحة والبيان بمباحث الإيجاز، وقالوا يحسن الحذف في بعض المواطن لقوة الدلالة على المحذوف ولإفساح الفرصة للتأمل والتفكير فيما يفيده الكلام، أو لتركيز الذهن على المطلوب من الكلام لئلا يضيع في زحمة التطويل، ولكي يستقيم الكلام لا بد من ترك إشارة تدل على المحذوف، والإيجاز قد يكون عن طريق الحذف وقد يكون بغير حذف، كالإيجاز الجامع وإيجاز القصر، ومن الإيجاز قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ، أما إيجاز الحذف فيتم عن طريق اقتطاع بعض أحرف الكلمة أو عن طريق الاكتفاء بأحد المعنيين المتلازمين كقوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ، وخص الخير بالذكر لأن ذكر الشر ليس من الأدب.
[فوائد إيجاز الحذف]
وذكر العلماء فوائد إيجاز الحذف، ومن أهم هذه الفوائد:
أولا: التفخيم والإعظام لما فيه من الإيهام، ويقع ذكره فيما يتعلق بوصف الأشياء التي لا تتناهى ولا تفي الكلمات بوصفها وتضيق الألفاظ عن التعبير عنها، كقوله تعالى في وصف النار: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، لا شك أن أي وصف لا يمكن أن يعبر عما يمكن أن يروه.
ثانيا: شهرة ما يمكن أن يقال، ويختصر لكيلا يكون ذكره من باب التكرار
(١) انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي، ج ١، ص ٢٩٥.