ومن العبث إثارة شبهات حول القرآن، ومحاولة الرد عليها، لأن ذلك مما أصبح متجاوزا، وليست هناك فائدة من إثارة تلك الشبهات التي رد عليها العلماء ردّا موضوعيا بالأدلة العلمية، ومن حق المسلم أن يرفض كل جديد فيما يتعلق بالجدل المرتبط بقطعية القرآن، ولا وسيلة لإرضاء خصوم القرآن إلا بعد التسليم بكل ما يثيرونه من شبهات، وهذا مطلب يأباه المسلم ويرفضه، ويجب أن تقتصر الدراسات القرآنية على بيان تاريخ القرآن، ومراحل جمعه وتوثيقه، وأن ينصرف الاهتمام إلى ما يساعد الباحثين على معرفة جوانب الإعجاز في القرآن واكتشاف الجديد من معانيه وحكمه وأحكامه، وهذا باب كبير وعالم فسيح ولا نهاية له، لأن التفسير القرآني متواصل ومتجدد مع تجدد الخطاب القرآني، والبشر متكافئون في قدراتهم الذهنية، والأجيال مطالبة بأن تسهم في خدمة القرآن وفي استنباط أحكامه وحكمه.
[مناسبة الآيات والسور:]
المناسبة في اللغة المقاربة، يقال: فلان يناسب فلانا أي يقرب منه ويشاكله، ومنه النسيب وهو القريب، ومنه المناسبة في العلة في باب القياس، والعقول البشرية تدرك أهمية المناسبة بين الأشياء المتجاورة والمتجانسة، ولا يمكن إغفال أهمية التقارب بين الأشياء، فهناك على وجه التأكيد علاقات بين الأضداد والنظائر، وأحيانا تدرك تلك العلاقات إذا قام دليل يؤكدها أو يشير إليها، وأحيانا لا تدرك تلك العلاقات، لخفائها أو لعجز العقل عن إدراكها، والعقول البشرية ليست متساوية في إمكاناتها، فما يمكن إدراكه لدى البعض لا يمكن إدراكه لدى البعض الآخر، للتفاوت في القدرات.
ومن هذا المنطلق حاول بعض العلماء البحث عن أوجه المناسبة بين الآيات والسور، من حيث التجاور والتتابع، أو من حيث تسمية أسماء السور، والمناسبة ليست أمرا محددا، ولهذا تحتاج إلى قدرة وبديهة وحسن تأمل.
وأشاد بعض علماء القرآن والتفسير بأهمية التناسب بين الآيات، واعتبروا ذلك علما مستقلا جديرا بالعناية والتأمل (١).