القرآن هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو المصدر الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يتطرق الشك إلى أيّة آية من آياته، ينسخ المصادر الأخرى ولا تنسخه، ويحتج به على ما عداه ولا يحتج عليه، وما ورد في القرآن فهو قرآن وهو كلام الله، وتتمثل مهمة البشر في تفسيره وبيان ما ورد فيه.
وتفسير القرآن حق ثابت لكل من كان يملك أهلية التفسير، من حيث الكفاءة العقلية والاستقامة السلوكية ومعرفة أدوات التفسير ومتطلباته، اللغوية والشرعية، ولا يمكن إنكار حق البشر في التفسير، لأن المخاطب بالنص يملك حق تفسير ذلك النص والأجيال المتعاقبة مخاطبة بالقرآن، ومن حق كل جيل بل من واجب كل جيل أن يسهم في تفسير القرآن، وأن يبدي رأيه واجتهاده، فمن أساء التفسير فمن حق الآخرين أن يناقشوه ويجادلوه، ولكن لا يجوز إنكار حق البشر في الفهم والتفسير، والتفسير هو أداة التجديد، لأن المخاطب متعدد، والتعدد يستلزم اختلاف الرؤية، والأجيال المتعاقبة ليست متماثلة في تكوينها وفي ظروف حياتها، وإذا انتفت المماثلة في المخاطب تعدد التفسير، واتسعت دائرة الفهم، بحثا عن معاني الخطاب القرآني وتأكيدا لإعجاز القرآن.
ولا يجوز لجيل أن يستبد بحق التفسير مانعا أجيالا لاحقة من حقها الطبيعي في الفهم، كما لا يجوز لجيل أن يعتبر نفسه وصيا على الخطاب القرآني، معلنا أنه الأحق بالتفسير والأقدر عليه، فالأجيال متكافئة، وكل جيل مسئول عن نفسه، وهو الأقدر على الفهم والتفسير، وهكذا يتجدد التفسير بتجدد الأجيال، ويظل الخطاب القرآني متواصل العطاء دائم الإشعاع يعطي ويلهم ويعلم ويهدي، مؤكدا عظمة التواصل بين القرآن والإنسان، في رحلة الحياة المستمرة وفي مسيرة الإنسان من أمس إلى غد.