وهذا النوع من الإعجاز يتمثل بالفصاحة وغرابة الأسلوب، والسلامة، من جميع العيوب، ونقل كل من الزركشي والسيوطي هذا الرأي عن الإمام فخر الدين الرازي صاحب مفاتيح الغيب، وهذا الرأي قريب من رأي الباقلاني وابن عطية، ونقل الزركشي عن ابن الحسن حازم القرطاجني صاحب منهاج البلغاء أن الإعجاز فيه من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا توجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المحدود، ثم تعرض الفترات الإنسانية فتقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه ..
وقال «الخطابي» في كتابه بيان إعجاز القرآن: أن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة، «لكن لما صعب عليهم تفصيلها صغوا فيه إلى حكم الذوق والقبول عند النفس .. وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور، منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني والحوامل، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ .. وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة، لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا منه الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقديم في أبوابه والرقي في أعلى درجاته .. فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أصح المعاني، من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبيان لطريق عبادته في تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها، واضعا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه»(١).