القرآن كتاب هداية، وهذا هو الأصل فيه، وكل ما ورد فيه من توجيه وما اشتمل عليه من منهج وما تميز به من أسلوب إنما يهدف إلى تحقيق تلك الغاية، ولذا فلا يمكننا أن نطبق المعايير البشرية المتعارفة على كتاب الله، ولو طبقت تلك المعايير عليه لانتفت الخصوصية القرآنية، وهي خصوصية في الأسلوب، وفي القصة، وفي النظم، وفي التصوير، وفي المنهج.
والقصة في القرآن ليست قصة بالمفهوم الأدبي المتعارف عليه عند كتاب الرواية، ولا يمكن أن تكون كذلك، فالقرآن ليس رواية، وليست غايته سرد حادثة، وإنما غايته تحقيق هدف ينسجم مع رسالة القرآن ..
وما يقصه القرآن من أخبار الأنبياء السابقين والأمم السابقة إنما يراد به أولا العبرة والعظة، ويراد به ثانيا تأكيد منهج الدعوة واستمرارية هذا المنهج، ويراد به ثالثا تصحيح الأحداث التاريخية ووضع تلك الأحداث في إطارها الصحيح، للتأكيد على أن أنبياء الله واجهوا تحديات وصعوبات وصبروا، ولم يضعفوا أو يستسلموا، وتابعوا طريقهم من غير تردد، مدافعين عن الحق رافعين لواء الإيمان بالله، مطالبين بتصحيح مسيرة الإنسان، مبرزين عظمة الفضيلة في السلوك الإنساني.
والقصة في القرآن خبر عن أمم سابقة، وهو خبر عن غيب ولا يمكن أن يعلمه إلا من أوتي سعة من علم، وجاء الوحي بها، لتأكيدها وإقرارها وتصحيحها، وما كان أهل الجاهلية يعلمون إلا القليل من أخبار الرسل والأمم، ولا بد أن ما علموه دخله التحريف والتزوير والتشويه حتى أصبحت الحقيقة ضائعة، وجاء القرآن لكي يؤكد الواقعة، ويصحح الحدث، ويشير إلى العبرة، ويقود الإنسان إلى أن يكتشف بنفسه ما أراده القرآن من حتمية انتصار الإيمان على الكفر، وانتصار الخير على الشر.