إن الإنسان يفقه بقلبه وفطرته، وبطريقة تلقائية، ما لا يفقهه أصحاب العقول الكبيرة من فلاسفة وفقهاء ورجال لغة وبيان، وما يفقهه العامة أصحاب الفطرة السليمة أدق وأعمق وأصفى، وهو أقرب للحق وأسمى.
ومع هذا .. فإن من واجبنا أن ننصت لصوت هؤلاء العلماء وهم يضعون معاييرهم العقلية، ويصوغون رؤيتهم العلمية في وجوه من الإعجاز متعددة، وأن نعترف لهم بما كتبوه وسجلوه، وأن نثني على عملهم العظيم، وفي نفس الوقت فإن من واجبهم أن يعترفوا بأن الفطرة السليمة تدرك بالبداهة الإعجاز القرآني، وترى فيه الإعجاز العظيم الذي يتحدى كل أعمال البشر ..
وسوف أذكر مناهج بعض العلماء الذين كتبوا في الإعجاز وسوف نجد أن ما قاموا به من أعمال علمية جديرة بأن تكون في موطن الإشادة والإعجاب، وهذا يدل على
مدى عناية علماء الإسلام بالقرآن الكريم.
[الإعجاز عند الخطابي:]
ممن كتب في الإعجاز أبو سليمان محمد بن إبراهيم الخطابي المتوفى سنة ٣٨٨ هـ، وكان من أوائل الذين كتبوا في الإعجاز ولا شك أنه تأثر بما كتبه الجاحظ من قبله، واطلع على ما كتبه أبو إسحاق النظام أحد أئمة المعتزلة الذي قال بأن الله تعالى قد صرف العرب عن معارضة كلام الله، وهذا أمر مقبول، إذا تضمن الإقرار بعظمة القرآن من حيث أسلوبه ونظمه ومعانيه، فإن الله تعالى قد تحدى العرب بالقرآن، وأعجز العرب عن الإتيان بمثله، والعجز هنا عجز مادي لتميز القرآن وعظمة أسلوبه ودقة معانيه وعجز محاط بهالة من الرهبة والخشية تمثل في حفظ الله لهذا القرآن، وتعهد بحماية الدعوة وانتصار لرسوله، وفكرة الصرفة ليست مرفوضة من الأساس إذا جاءت في إطارها الصحيح المتمثل في رعاية الله لهذه الرسالة وتدعيم موقفها ومناصرة المسلمين، ولقد ثبت أن الله تعالى قد صرف عن المسلمين أخطارا ودفع عنهم أعداءهم، وشتت شملهم كلما