ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة»، ثم قال:«ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة، منها الشعر ومنها السجع ومنها الخطب ومنها الرسائل ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة، وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام»(١).
[الإعجاز عند الباقلاني:]
يعتبر القاضي أبو بكر الباقلاني- المتوفى سنة ٤٠٣ هـ أول- من كتب كتابا في الإعجاز بطريقة مستقلة، وما كتب قبله كان في إطار بيان معاني الإعجاز في رسائل عامة أو مقدمات مؤلفات أو بيان.
وكتب كتابه «إعجاز القرآن» وهو من دعائم هذا العلم وأركانه، تحدث في بدايته عن المعجزة، وقرر أن القرآن هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى، وهناك معجزات أخرى، ومعجزة القرآن هي معجزة تحدي، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمعجزات الأخرى.
وكان القاضي «الباقلاني» إمام عصره، وحجة زمانه، له مؤلفات كثيرة، ويدور معظمها حول العقيدة والدفاع عن مذهب الأشاعرة، وله أسلوب متميز يقوم على أساس الحوار والنقاش وكان قوي الحجة واسع الثقافة، وعاش في فترة زمنية كانت المذاهب الفكرية متعددة ومتنافسة، وألف كتابه «إعجاز القرآن» في إطار دفاعه عن قوام الدين وعماد التوحيد وبرهان صدق النبوة.
واعتبر أن القرآن فارق حكمه حكم غيره من الكتب المنزلة على الأنبياء بأنه يدل على نفسه بذاته، بخلاف الكتب الأخرى فلا تدل على نفسها إلا بأمر زائد عليها، لأن نظمها ليس معجزا.
ويرجع الإعجاز في نظر القاضي الباقلاني إلى أمور ثلاثة: