والخلاف كما يبدو بين من يقول بوجود السجع في القرآن أو نفيه هو خلاف لفظي، وهو خلاف مصطلح، فإن شئت أن تسميه سجعا فهو كذلك، وهو سجع محمود وهو متميز لا تكلف فيه، وإن شئت أن تسميه تسمية جديدة فمن حقك أن تفعل ذلك، ومن حقك أن تطلق عليه كلمة السجع أو تنفيها عنه.
[الإعجاز عند القاضي عبد الجبار:]
ويعتبر ما كتبه القاضي عبد الجبار (١) امتدادا لما كتبه الباقلاني في الإعجاز، نظرا لأن القاضي عبد الجبار كان معاصرا للإمام الباقلاني، وكان مهتما بعلم الكلام، ويعتبر كتابه «المغني» من أبرز كتب علم الكلام، وجاء كتابه في الإعجاز في إطار دراساته الكلامية، وهو جزء من كتابه «المغني» ولهذا ظهرت آثار آرائه الكلامية في مجال دراسته للإعجاز.
ويبدو أنه لا يميل إلى اعتبار الإعجاز في أوجه البلاغة وإنما يتمثل الإعجاز في جزالة اللفظ وحسن المعنى، ولا عبرة بالقوالب والأشكال البلاغية، لأن المعول عليه في مجال الفصاحة هو مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فالصورة البلاغية إذا جاءت في موطنها مؤكدة جزالة الألفاظ مبينة جمال المعاني فهي من الإعجاز، وإذا لم تعبر عن هذه
المعاني ولم تحقق هذه الغايات فقد تكون متكلفة سيئة الأثر، واستبعد القاضي عبد الجبار أن تكون الصرفة التي قال بها بعض علماء الكلام من أوجه الإعجاز، واعتبر العرب من أقدر الناس على معرفة ما يقع به التحدي، وقد تحداهم القرآن، وأدركوا معنى هذا التحدي، ولا يمكن لهذا التحدي أن يكون إلا في مجال الفصاحة والبيان.
وقد تعرض القاضي عبد الجبار لموضوع التحدي بالكلام وأكد أن الفصاحة في الكلام لا تظهر في اللفظة الواحدة والكلمة المفردة، وإنما تظهر عند ضم
(١) هو أبو الحسن بن عبد الجبار الأسد بادي المعتزلي، وكان شيخ القضاة بمصر، وكان من أبرز علماء المعتزلة وأكثرهم حجة، وله كتاب «المغني» أشهر مؤلفاته وهو موسوعة في علم الكلام توفي سنة ٤١٥ هـ بمدينة الري.