وخرج موسى من المدينة وبصره شاخص إلى السماء، وقد أحيط به من كل جانب، وهو يقول: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وأسلم أمره لله، وهنا تبتدئ مرحلة التكوين النفسي للوعد الثاني، حالة الوحشة من البشر، حالة العزوف عنهم، حالة العودة لله والاستسلام لأمره.
ويسدل الستار على موسى وهو يمشي في طريقه إلى مدين، يبحث عن الهداية ويردد: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ.
ومن جديد ترفع الستارة عن مشهد جديد.
- أمة من الناس يسقون .. وامرأتان تذودان أغنامهما عن الماء ...
- قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ.
فسقى لهما .. وتولى إلى الظل .. وأخذ يدعو ربه:
رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
وفجأة جاءته إحداهما تمشي على استحياء ... قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وقالت إحداهما:
يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ بدأت مرحلة جديدة في حياته، «وعد الله» بأنه سيكون من المرسلين ...
ومن بعيد .. آنس موسى من جانب الطور نارا، فقال لأهله امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.
- فَلَمَّا أَتاها ...
- نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى ..
- إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ.