للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها، وهذا أمر غير ممكن، لعدم إمكان التماثل في اللغات، ولأن كل لفظة تدل على معنى قد لا تدل عليه اللفظة المماثلة في اللغة الأخرى، ولو أمكنت الترجمة الحرفية لتماثلت الترجمات وتوحدت، ولما وقع الاختلاف بين المترجمين في كيفية الترجمة وفي اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى الأصلي.

- ترجمة تفسيرية: وهذه ممكنة من الناحية الواقعية، أولا: لأنها تعتبر الترجمة نوعا من التفسير، وثانيا: لأنها تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، ولا تعتبر الترجمة في ظل هذا المفهوم ترجمة للقرآن، وإنما هي نوع من التفسير.

وكلمة التفسير ليست ملائمة في مجال الترجمة، فالترجمة ليست تفسيرا، وشروط الترجمة ليست هي شروط التفسير، وكلمة الترجمة التفسيرية تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، لأن المفسر لا يكلف بما يكلف به المترجم من الالتزام باختيار الكلمة المماثلة، فإذا جاءت الكلمة غامضة فليس من حق المترجم أن يفسر غموضها، بخلاف المفسر، فهو مكلف بإزالة الغموض، وإذا كانت اللفظة محتملة لمعان عدة وجب على المترجم أن يأتي باللفظة المحتملة لنفس المعاني والدلالات، وليس من حقه أن يختار ويرجح، بخلاف المفسر فمن واجبه أن يبين ويوضح ويرجح، ولهذا فإن استعمال كلمة «الترجمة التفسيرية» ليست دقيقة في هذا المجال، لاختلاف معاني التفسير عن الترجمة.

وبالرغم من أنني استعملت كلمة الترجمة التفسيرية في بعض كتبي (١) تعبيرا عن معنى الترجمة النسبية، واعتبرت ذلك هو الترجمة الممكنة، فإنني أؤكد أن الكلمة ليست دقيقة، فالترجمة صيغة بديلة عن الأصل، ولا تنفصل عنه، وتفي بجميع معاني الأصل ومقاصده، وكلمة التفسير لا تلزم المفسر بالإتيان بالصيغة البديلة عن الأصل، والتفسير في اللغة هو البيان والتوضيح، والترجمة لا تعني البيان والتوضيح، وإذا قام المترجم ببيان الأصل وإزالة غموضه، فهو مفسر وليس مترجما، وتحكمه مقاييس التفسير وليس مقاييس الترجمة.


(١) انظر مبادئ الثقافة الإسلامية للمؤلف ص ١٥٦ - ١٥٧، طبعة دار البحوث العلمية.

<<  <   >  >>