للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي معاني القرآن العظيم للقزاز في قراءة عبد الله: وقد تب، فالأول: دعاء والثاني: خبر، كما تقول للرجل أهلكك الله، وقد أهلكك. والمقصود بيان استحقاقه لأن يدعى عليه بالهلاك؛ فإن حقيقة الدعاء شأن العاجز والله تعالى منزه عنه (١).

وفي المعاني للزجاج: دعا عمومته وقدم إليهم صحفة فيها طعام، فقالوا: أحدنا وحده يأكل الشاة وإنما قدم لنا هذه، فأكلوا منها جميعا ولم ينقص منها إلا الشيء اليسير، فقالوا له: ما لنا عندك إن اتبعناك؟ قال: ما للمسلمين، وإنما تتفاضلون في الدين. فقال أبو لهب: تبًا لك. . . الحديث (٢).

[٢٩٢ أ/ص]

/قال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} [المَسَد: ٢] أي: لم يغن عنه ماله شيئًا, فمفعول أغنى محذوف وهو استئناف جوابًا عما كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقًا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وأولادي (٣) ,وفيه تخسير له وتهكم بما كان يفتخر به من المال.

ويجوز أن يكون كلمة "ما" للاستفهام الإنكاري, فتكون في موضع النصب بـ"أغني" أيْ: أيُّ شيء أغنى له ماله حين نزل به التباب والبلاء؟! فإنه لا أحد أكثر مالًا من قارون وما دفع عنه الموت والعذاب, ولا أعظم ملكًا من سليمان - عليه السلام - فهل دفع عنه الموت؟.

قيل: إنه كان يعتقد أن يده هي العليا, وأنه يخرجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة ويذله ويغلب عليه اعتمادًا على كثرة أمواله وأولاده فلم يغنيا عنه في ذلك من شيء.

وقيل: المعنى أنهما لم يغنيا عنه في دفع النار فلذلك قال تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} [المَسَد: ٣] فإنه تصور الهلاك بحيث يظهر معه عدم إغناء المال وما كسب, ويؤيد هذا المعنى ما روى من قوله: "إن كان ما يقول ابن أخي حقًا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي" {وَمَا كَسَبَ} [المَسَد: ٢] أي: ولم يغن عنه كسبه أو مكسوبه على أن كلمة "ما" مصدرية أو موصولة.

ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بماله رأس ماله من أي نوع كان, وبمكسوبه ما اكتسبه بأصل ماله من النتائج والأرباح والأتباع.


(١) عمدة القاري (٨/ ٢٣٢).
(٢) معاني القرآن وإعرابه، سورة تبت (٥/ ٣٧٥)
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٤/ ٨١٤).