للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العموم من صيغة التذكير، ثم قد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن عن اتباع الجنائز، سواء كان نهي تحريم أو تنزيه.

الوجه الثالث: فإن قيل: فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الآخر - يعني بالجواز- قيل: هذا ليس بجيد؛ لأن قوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها "، هذا خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور، وقال: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله زوارات القبور" خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول: "لعن الله زوّارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج"، سواء كانوا رجالًا أو نساء لعنهم الله، وأما الذين يزورون القبور فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال (١).

القول الثالث: الكراهة من غير تحريم كما هو منصوص عند الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايات عنه، وإليه ذهب أكثر الشافعية وبعض الحنفية (٢).

قال ابن قدامة في "المغني": اختلفت الرواية عن أحمد في زيارة النساء القبور، فروي عنه كراهتها؛ لما روت أم عطية، قالت: "نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا" (٣) رواه مسلم. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ" (٤). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (٥).

وهذا خاص في النساء، والنهي المنسوخ كان عامًا للرجال والنساء، ويحتمل أنه كان خاصًا للرجال. ويحتمل أيضًا كون الخبر في لعن زوارات القبور، بعد أمر الرجال بزيارتها، فقد دار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة.

وقال الإمام يوسف زاده: وفرق قوم بين قواعد النساء وبين شبابهن، وبين أن ينفردن بالزيارة، أو يخالطن الرجال (٦).


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ٥٠٠).
(٢) المغني (٢/ ٤٢٤)، المجموع (٥/ ٣٠٩)، البناية شرح الهداية (٣/ ٢٦١)، نيل الأوطار (٤/ ١٣٣)، بلغة السالك (١/ ٥٦٤).
(٣) لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ عند مسلم، ذكره ابن قدامة في "المغني" وعزاه لمسلم.
(٤) سنن الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء (٣/ ٣٦٢) (١٠٥٦).
(٥) المغني (٢/ ٤٢٥).
(٦) كما في (ص:٤٢٥).