للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف: ٤٤] في أنَّ ما سيكون بمنزلة الكائن، وأن ما أخبر به الصادق عن المستقبل؛ فهو الواقع (١).

وقال الحافظ العسقلاني: هذا قد تلقاه جماعة عن الطيبي وأقره عليه، وفيه نظر؛ لأنَّ السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء، لأنَّ الاستثناء بعد النفي إثبات؛ فكأن المعنى: أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد هو ظاهر؛ لأنَّ الولوج عام، وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه، وما ادعاه أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر. انتهى (٢).

وتعقبه العيني: بأنا لا نسلم حصول السببية بالنظر إلى الاستثناء؛ لأنَّ الولوج هنا ليس على حقيقته بالاتفاق، بل بمعنى الورود، وفي معناه أقول: تأتي -إن شاء الله تعالى-، وكون الاستثناء بعد النفي إثباتًا محل نزاع كما بين في موضعه، وكون الفاء بمعنى الواو مسوغ لا نزاع فيه؛ فإنَّ الحروف ينوب بعضها عن بعض، ولم يمنع أحد عن ذلك، ألا ترى أنَّ الفراء والأخفش وأبا عبيدة: جوزوا مجيء إلا بمعنى الواو، وجعلوا منه قوله -تعالى-: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة: ١٥٠] أي: ولا الذين ظلموا، فلذا قال بعض الشراح في قوله: إلا تحلة القسم، إن إلا بمعنى الواو أي: لا يلج النار لا قليلًا ولا كثيرًا، ولا تحلة القسم هذا؛ فليتأمل (٣).

[١٠٣ أ/س]

وقال ابن الحاجب والدماميني (٤): واللفظ له أنه يجوز النصب بعد الفاء الشبيهة بفاء السببية بعد النفي، وإن لم تكن السببية حاصلة كما قالوا في أحد وجهي "ما تأتينا؛ فتحدثنا" أنَّ النفي يكون /في الحقيقة راجعًا إلى الحديث لا إلى الإتيان، أي: ما يكون منك إتيان يعقبه حديث، وإنْ حصل مطلق الإتيان؛ فكذلك هنا أي: أن النار لم تكن تعقب موت الأولاد، بل وجب دخول الجنة، إذ ليس بين الجنة والنار منزلة أخرى (٥).


(١) شرح مشكاة المصابيح، (٤/ ١٤٢٠).
(٢) الفتح الباري (٣/ ١٢٣).
(٣) عمدة القاري (٨/ ٣٥).
(٤) شرح الوافية نظم الكافية، لأبي عمرو عثُمَّان بن الحاجب النحوي، تحقيق د. موسى بنايى علواني، مطبعة الأدب في النجف، ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م، باب نصب فعل المضارع (٣٤٩).
(٥) ارشاد الساري (٢/ ٣٨٣).