للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[١٠٦ أ/ص]

وأما سبب وجوب غسل الميت؛ فقيل: هو الحدث، فإنَّ الموت سبب لاسترخاء المفاصل (١)، وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني، وغيره من مشايخ العراق: إنما وجب لنجاسة الميت؛ إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات، ولهذا يتنجس البئر بموته فيها، وفي (البدائع)، عن محمد بن شجاع: أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له؛ لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات /التي حكم بنجاستها بالموت (٢)، وسيأتي قول ابن عباس - رضي الله عنها - "أنَّ المؤمن لا ينجس حيًا وميتًا".

وقال بعض الحنابلة: ينجس بالموت، ولا يطهر بالغسل (٣)، وينجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات، وهذا باطل بلا شك، وخرق للإجماع (٤)، والمشهور عند الجمهور: أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في سائر الاغسال الواجبة والمندوبة، وقيل: شرع احتياطًا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر؛ لأنَّ لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ، وهو خلاف الإجماع، والله أعلم (٥).

الثاني: وضوء الميت؛ فوضوؤه سنة، كما في الاغتسال في حالة الحياة، غير أنَّه لا يمضمض، ولا يستنشق عندنا؛ لأنهما متعسران (٦)، وقال صاحب (المغني): ولا يدخل الماء فاه، ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم، وهو قول: سعيد بن جبير، والنخعي، والثوري، وأحمد. وقال الشافعي: يمضمض ويستنشق، كما يفعله الحي (٧). وقال النووي: المضمضة جعل الماء في فيه (٨). قال العيني: وهذا خلاف ما قاله أهل


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ، عثُمَّان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي الحنفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس بن إسماعيل بن يونس الشِّلْبِيُّ، المطبعة الكبرى الأميرية - بولاق، القاهرة الطبعة: الأولى، ١٣١٣ هـ (١/ ٢٣٥). والجوهرة النيرة، أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني، المطبعة الخيرية، الطبعة: الأولى، ١٣٢٢ هـ (١/ ١٠٣).
(٢) البناية شرح الهداية، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفِي بدر الدين العينى، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م (٣/ ١٨١).
(٣) شرح العمدة في الفقه، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق د. سعود صالح العطيشان، الناشر مكتبة العبيكان، ١٤١٣، مكان النشر الرياض (١/ ٣٦٢).
(٤) ينطر: عمدة القاري (٨/ ٣٦).
(٥) فتح الباري (٣/ ١٢٦)
(٦) ينطر: عمدة القاري (٨/ ٣٦).
(٧) المغني لابن قدامة (٢/ ١٦٥).
(٨) المجموع (٥/ ١٣١).