للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالجواب: أنّه لا مانع في سلوك طريق الجمع من تخصيص بعض العمومات، وتقييد بعض المطلقات، فالآية والحديث وإن كانا دالّين على تعذيب كل ميت بكل بكاء، لكن دلّت أدلة أخرى على تخصيص ذلك ببعض الميّت وبعض البكاء، ويتقيّد ذلك بمن كانت تلك سنته، أو أهمل النهي عن ذلك، وأما من لم يكن له علم بما يفعله أهله من المنكر أو أدّى ما عليه، بأن نهاهم فلم ينتهوا، فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره، ولهذا قال عبد الله بن المبارك: إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئًا من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء (١).

ومن ثمة قال المؤلف: (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ) النوح (مِنْ سُنَّتِهِ) أي: كمن لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئًا من ذلك، أو نهاهم عنه فلم ينتهوا (فَهُوَ) أي: فلا مؤاخذة عليه، بل هو (كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -) مستدلّة لما أنكرت على عمر - رضي الله عنه - حديثه المرفوع الآتي، إن شاء الله تعالى قريبًا، بقوله تعالى: ({وَلَا تَزِرُ}) أي: لا تحمل، ({وَازِرَةٌ}) نفس حاملة ذنبًا ({وِزْرَ}) ذنب نفس ({أُخْرَى})، [فاطر: ١٨].

وحاصله: أنّ كلّ نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، لا تؤخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولي، والجار بالجار، وهذا حمل من المؤلف؛ لإنكار عائشة - رضي الله عنها -، على إنكار عموم التعذيب لكل ميت يبكي عليه.

[١٣٥ أ/ص]

(وَهُوَ) أي: ما استدلت به عائشة - رضي الله عنها -، من قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]، (كقوله) تعالى: ({وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذُنُوبًا)، وليس قوله: " ذنوبًا"، من التلاوة، وإنّما هو في تفسير مجاهد (٢)، فنقله المؤلف، والمعني: /وإن تدع نفس اثقلتها أوزارها أحدًا من الآحاد، ({إِلَى حِمْلِهَا}) أي: إلى أن يحمل بعض ما عليها من الأوزار والآثام، ({لَا يُحْمَلْ}) بالجزم على جواب


(١) سنن الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في كراهية البكاء على الميت (٣/ ٣١٧) (١٠٠٢).
(٢) تفسير مجاهد، المؤلف: أبو الحجاج مجاهد بن جبر التابعي المكي القرشي المخزومي (المتوفى: ١٠٤ هـ)، المحقق: الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل، الناشر: دار الفكر الإسلامي الحديثة، مصر، الطبعة: الأولى، ١٤١٠ هـ - ١٩٨٩ م (١/ ٥٥٧).