للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلما أبصر الرماة ذلك قالوا: ما نجلس هنا لشيء قد أهلك الله العدو. فتركوا منازلهم التي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول. قال الزبير: فلما مالت الرماة إلى العسكر وخلوا ظهورنا للخيل فأتتنا من خلفنا ورمى عبدالله بن قمئة الحارثي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجر فكسر رباعيته وجرح وجنته

فدخلت حلقتان من المغفر فيها, فقال: خذها وأنا ابن قمئة, فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: أقماك الله فأقبل يريد قتله, فذب عنه مصعب بن عمير -وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد- حتى قتله ابن قمئة ,وهو يرى أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,فقال: قد قتلت محمدًا, وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا قد قتل. وقيل: كان الصارخ الشيطان. ففشا في الناس خبر قتله, فانكشف المسلمون, وولوا منهزمين يحطم بعضهم بعضًا, ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفر قليل حتى خلص العدو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلم يزُلْ عن مكانه قدمًا واحدًا ,ولا ولَّى؛ بل وقف في وجوههم وجعل يقول: إليَّ عبادَ الله, ورمى بالقوس حتى تقطع وتره, هذا والنبل تأتيه من كل ناحية, فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وكلمت شفته وشج وجهه, فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه, ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدماء, وهو يدعوهم إلى ربهم. فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ (١٢٨)} [آل عمران: ١٢٨] الآية.

[٢٢٠ أ/س]

وقيل: هَمَّ أن يدعو عليهم, فنهاه الله تعالى؛ لعلمه بأن فيهم من يؤمن. والذي كسر رباعيته وشج وجهه عتبة بن أبى وقاص, ومِنْ هذا /كان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يقول: ما حرصت على قتل رجل كحرصي على قتل عتبة أخي.

ومن ثمة لم يولد من نسله ولد فبلغ الحنث إلا وهو أبحر وأهتم؛ أي عطشان لا يروي من الماء, ومكسور الثنايا من أصلها, يعرف ذلك في عَقِبِه, وما علم مبغض في قومه مثله, وشجه - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن شهاب في جبهته (١).

وروى عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال: " ضرب وجه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بالسيف سبعين ضربة. وقاه الله من شرها كلها" (٢).


(١) السيرة النبوية لابن هشام (٤/ ١١)، المغازي (١/ ٢٠٠)، والطبقات الكبرى (٢/ ٣١)، وتاريخ الطبري (٢/ ٥٠٤).
(٢) مصنف عبد الرزاق، كتاب المغازي، وقعة أحد (٥/ ٣٦٦) (٩٧٣٦)، وقال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري" (٧/ ٣٧٢): وهذا مرسل قوي، وقال في المطالع العالية (١٧/ ٣٥٤) (٤٢٦٢): رجاله ثقات، ولكنه مرسل أو معضل.