للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: موازنة بينهما وبين أوضح المسالك.]

عُنِي ابن هشام كثيرًا بالألفية، ودارت حولها مباحثاته ومناقشاته، وشُغل بها درسًا وتدريسًا وتأليفًا، منذ أن بدأ حياته العلمية، وتجلَّى ذلك في اتخاذه لنفسه نسخةً منها، كتبها بخطه، وهو في الرابعة والعشرين من عمره (١)، ونثر عليها حواشيه وتعليقاته في مُدَدٍ متفاوتة، وصنع مثل ذلكأيضًا في عدة نسخ من متن الألفية، وألَّف عليها كتابه الآخر: رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة، ثم توَّج أعماله تلك بكتابه الفذِّ: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، فنال مكانته اللائقة به بين العلماء، وازدان بشروحاتهم وتعليقاتهم، وقد قال في أوله متحدِّثًا عن نظم الألفية: «وقد أسعفت طالبيه، بمختصر يُدانيه، وتوضيح يسايره ويباريه، أَحُلُّ به ألفاظه، وأوضِّح معانيه، وأحلِّل به تراكيبه، وأنقِّح مبانيه، وأعذِّب به موارده، وأَعْقِل به شوارده، ولا أُخْلي منه مسألةًمن شاهدٍ أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلافٍ أو نقدٍ أو تعليلٍ، ولم آل جهدًا في توضيحه وتهذيبه، وربما خالفته في تفصيله وترتيبه» (٢).

وتعدُّد الحواشي التي وضعها ابن هشام على الألفية خير شاهد على طول مدارسته لها، وتعاهده لها بالعناية والتحرير، ويدل على هذا أيضًا قوله في إحدى الحواشي تعليقًا على بيت الألفية:

والنصبُ بعد ما أُضيف وجبا ... إن كان مثلَ مِلْءُِ الأرضِ ذهبا

«قولُه: "ما أُضِيف": قلت قديمًا: ينبغي أن قوله: "بعدَ ما أُضِيف" [محمولٌ] على ما هو أعمُّ من الإضافة في اللفظ والتقدير؛ ليَدخُلَ نحوُ: ملآنٌ ماءً، ثم رأيت أنه ينتقض بمفهوم الشرط في قوله: "إِنْ كان"» (٣).

فقوله: "قديمًا" دالٌّ على تطاول مدارسته للألفية، واستمرار نظره فيها، حتى يستقر رأيه بعد طول التأمل على ما يصح.


(١) وهي المخطوطة الأولى محل الدراسة.
(٢) أوضح المسالك ١/ ٢٠، ٢١.
(٣) المخطوطة الثانية ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>