فهذا وأمثالُه من الذين مَنَعَتْهُمُ الرِّياسة والمَأكْل من اختيار الهدى، وآثَروا دينَ قومِهم.
وإذا كانَ هذا حالَ الرؤساء المتبوعين -الذين هم علماؤهم وأحبارهم- كان بَقيَّتُهم تَبَعًا لهم. وليس بمُسْتَنْكَرٍ أنْ تمنع الرِّياسةُ والمناصبُ والمآكلُ الرؤساءَ، ويمنع الأتباَعَ تقليدُهم. بل هذا هو الواقع، والعقلُ لا يَسْتَشْكِلُه.
فصل
وكان من رؤساء النَّصارى الذين دخلوا في الإسلام -لما تبيَّن أنه الحق-: الرَّئيسُ المُطَاعُ في قومه "عَدِيُّ بنُ حاتم الطائي"، ونحن نذكر قصته، رواها الإمام أحمد، والترمذيُّ، والحاكم، وغيرهم (١).
قال عَدِيُّ بنُ حاتم: أتيتُ النبيَّ ﷺ وهو جالسٌ في المسجد، فقالَ القومُ: هذا عديُّ بنُ حاتمٍ. وجئت بغير أمانٍ ولا كتابٍ، فلما دُفِعْتُ إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك:"إني لأرجو أن يجعلَ اللهُ يدَه في يدي".
قال: فقام لي، فَلَقِيَتْهُ امرأةٌ وصبيٌّ معها فقالا: إنَّ لنا إليك حاجةً. فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره، فألقَتْ
(١) رواها الإمام أحمد في "المسند": (٤/ ٣٧٨ - ٣٧٩)، والترمذي في التفسير: (٥/ ٢٠٤) وقال: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب"، وصححه الحاكم في "المستدرك": (٤/ ٥١٨ - ٥١٩). وانظر: "سيرة ابن هشام" (٢/ ٣٤٣) مع الروض الأُنُف، "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي: (٢/ ٦٦)، "طبقات ابن سعد": (١/ ٣٢٢).