للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس متقلِّد السيف بعد داود من الأنبياء سوي محمد ، وهو الذي خرَّتِ الأمم تحته، وقُرِنَتْ شرائعه بالهيبة: إمَّا القبول وإما الجزية، وإما السيف. وهذا مطابقٌ لقوله : "نُصِرْتُ بالرُّعب مَسِيْرَةَ شهرٍ" (١).

وقد أخبر داود أنَّ لهَ ناموسًا وشرائع، وخاطبه بلفظ الجبَّار إشارة إلى قوته وقهره لأعداء الله، بخلاف المستضعف المقهور. وهو نبيُّ الرحمة، ونبيُّ الملحمة (٢)، وأمَّتُه أشدَّاءُ علي الكفَّار رحماءُ بينهم، أذلَّة علي المؤمنين أعزَّة علي الكافرين. بخلاف الأذلّاء المقهورين المستكبرين، الذين يذلون لأعداء الله ويتكبَّرون عن قَبُولِ الحقِّ.

(الوجه التاسع) (٣): قول داود في مزمور آخر: "إنَّ الله سبحانه أظهرَ مِنْ صِهْيَوْنَ إكليلًا محمودًا". وضرب الإكليل مثلًا للرياسة والإمامة، ومحمود هو محمد . وقال في صفته: "ويحوزُ من البحر إلى البحر، ومن لَدُنِ الأنهار إلى مُنقَطَع الأرض، وإنه لتَخِرُّ أهل الجزائر بين يديه علي رُكَبِهم، وتلحس أعداؤه التراب، تأتيه ملوك الفرس (٤) وتسجدُ له، وتدين له الأُمم بالطاعة والانقياد، ويخلِّص المضطهد البائس ممن هو


(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري في أول كتاب التيمم: (١/ ٤٣٦) وفي مواضع أخري، وأخرجه مسلم في المساجد: (١/ ٣٧٠ - ٣٧١).
(٢) في حديث حذيفة: "لقيت النبيَّ في بعض طرق المدينة فقال: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا نبي الرحمة ونبي التوبة، وأنا المقفّي وأنا الحاشر ونبيّ الملاحم". رواه الترمذي في الشمائل، ص (٢١١) مع شرح الباجوري، والبغوي في "شرح السنة": (١٣/ ٢١٣).
(٣) انظر في هذا الوجه: "الجواب الصحيح": (٥/ ٢٤٦ - ٢٤٨)، "أعلام رسول الله المنزلة علي رسله" لابن قتيبة، لوحة (٤)، "تحفة الأريب" للترجمان، ص (٢٧٥ - ٢٧٨).
(٤) في "ص": "الأرض".

<<  <  ج: ص:  >  >>