للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الوجه الخامس والثلاثون): قوله في نبوة إِرْمِيَا: "قبل أن أخلقك قد عظَّمتك من قبل أن أُصوِّرك في البطن، وأرسلتك وجعلتك نبيًّا للأجناس كلهم" (١).

فهذه بشارة على لسان إِرْمِيَا لمن بعده، وهو إما المسيح وإما محمد -صلوات الله وسلامه عليهما- لا يعدوهما إلى غيرهما، ومحمدٌ أَوْلَى بها؛ لأن المسيح إنما كان نبيًّا لبني إسرائيل وحدهم (٢)، كما قال تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٤٩]. والنصارى تقرُّ بهذا، ولم يَدَّعِ المسيح أنه رسول إلى جميع أجناس أهل الأرض، فإن الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم، بل عندهم في الإنجيل أنَّ المسيح قال للحواريين: "لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس، ولكن اختصروا على الغنم الرَّابضة من نسل إسرائيل" وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى جميع أجناس الأرض وطوائف بني آدم.

وهذه البشارة مطابقةٌ لقوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]. ولقوله : "بعثت إلى الأسود والأحمر" (٣) وقوله : "وكان النبي يُبْعثُ إلى قومه خاصةً وبُعِثْتُ إلى الناس عامة" (٤).

وقد اعترف النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها، لكن قال بعض


(١) العهد القديم، إرمياء: (١/ ٤ - ٦).
(٢) من "غ".
(٣) قطعة من حديث أخرجه مسلم في المساجد: (١/ ٣٧٠).
(٤) أخرجه البخاري في التيمم: (١/ ٤٣٦)، ومسلم في المساجد: (١/ ٣٧٠ - ٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>