للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فإذا كانت هذه حال المتقدِّمين (١) مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أخيارهم فيهم، والدولةُ دولتهم والكلمةُ لهم، وعلماؤهم إذْ ذاك أوفرُ ما كانوا، واحتفالُهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى، ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعنٍ وملعونٍ لا يثبت لهم قَدَمٌ، ولا يتحصَّل لهم قول في معرفة معبودهم. بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه وباح باللَّعن والبراءة ممَّن اتَّبع سواه.

= فما الظنُّ بحُثَالةِ (٢) الماضين (٣)، ونُفَايةِ الغَابِرين، وزُبَالةِ الحائرين، وذُرِّيَّة الضَّالين، وقد طال عليهم الأمد، وبَعُد العهد، وصار دينُهم ما يتلقَّونه (٤) عن الرُّهْبان. وقوم إذا كشفت عنهم وَجَدْتَهم أشبَه شيءٍ بالأنعام، وإن كانوا في صُوَر الأنام، بل هم كما قال تعالى -ومن أصدق من الله قيلًا-: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٤].

وهؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٧٧].

ومن أمة الضلال بشهادة الله ورسوله عليهم، وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم بلعن بعضهم بعضًا.


(١) في "غ": "المقدمين".
(٢) في "ب، ج، د": "بحالة".
(٣) في "د": "الباقين".
(٤) في "د": "يلقونه"، وفي "ب، غ": "يبلغونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>