للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وفي قَوْلِ المسيح في هذه البشارة: "وليس لي من الأمر شيء" إشارةٌ إلي التوحيد وأن الأمر كلَّه لله، فتضمنت هذه البشارة أَصْلَي (١) الدِّين: إثباتُ التوحيد، وإثباتُ النبوَّة، وهذا الذي قاله المسيح مطابقٌ لِمَا جاء به أخوه محمدُ بنُ عبد الله عن ربِّه من قوله له: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨]. فمَنْ تأمَّلَ حال الرَّسولين الكريمين ودَعْولهما وجدَهما متوافِقَيْن متطابقين حَذْوَ القُذَّة بالقذة، وأنه لا يمكن التصديق بأحدهما مع التكذيب بالآخر البتَّة، وأن المكذِّب بمحمد أشدُّ تكذيبًا للمسيح، الذي هو المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله، وإن آمن بمسيحٍ لا حقيقةَ له ولا وجود، وهو أبطل الباطل. وقد قال يوحنا في كتاب "أخبار الحواريين" وهو يسمونه "أفركسيس" (٢): "يا أحبابي إيَّاكم أن تؤمنوا بكل روح، لكن مَيِّزوا الأرواح التي مِنْ عند الله من غيرها، واعلموا أنَّ كلَّ روح تؤمن بأن يسوع (٣) المسيح قد جاء وكان جسدانيًّا فهي من عند الله، وكل روح لا تؤمن بأن المسيح قد جاء وكان جسدانيّا فليست من عند الله، بل من المسيح الكذَّاب، الذي هو الآن في العالم" (٤).

فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصَّادق الذي جاء من عند الله بالهدي ودينِ الحقِّ الذي هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلي مريم العذراء البَتُول. والنَّصاري إنما تؤمن بمسيحٍ دعا إلي عبادة نفسه وأمِّه وأنه ثالث


(١) في "ج": "أصل".
(٢) أي: "أعمال الرسل" من العهد الجديد.
(٣) في "غ": "يشوع".
(٤) "رسالة يوحنا الأولى" من العهد الجديد: (٤/ ١ - ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>