للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظيرُ هذا التَّعويضِ: أَنَفَةُ الجَهْمِيَّة (١) أن يكون الله -سبحانه- فوق سماواته علي عرشه بائنًا من خلقه حتي لا يكون محصورًا -بزعمهم- في جهة معيَّنة، ثم قالوا: هو في كلِّ مكان بذاته. فحصروه في الآبار والسجونِ والأنجاسِ والأخباثِ، وعوَّضوه بهذه الأمكنةِ عن عرشه المجيد. فليتأملِ العاقلُ لَعِبَ الشيطان بعقول هذا الخلق، وضَحِكَه عليهم، واستهزاءه بهم؟!.

فصل

وقولُ المسيحِ: "إذا انطلقتُ أرسلته إليكم" معناه أني أُرسلُه بدعاء ربي وطلبي منه أن يرسله. كما يطلب الطالب من وليِّ الأمر أن يُرْسلَ رسولًا أو يولِّي نائبًا أو يعطيَ أحدًا، فيقول: أنا أرسلتُ هذا وولَّيتُه وأعطيتُه. يعني أنّي كنت سببًا في ذلك، فإنَّ الله سبحانه إذا قضي أن يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابًا يكون بها. ومن تلك الأسباب: دعاءُ بعضِ عباده بأن يفعل ذلك، فيكون في ذلك من النِّعمة إجابةُ دعائه مضافًا إلي نعمته بإيجاد ما قضي كونه. ومحمدٌ قد دعا به الخليل أبوه فقال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٩]. مع أنَّ الله -سبحانه- قد قضي بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك، كما قيل له: يا رسول الله: متي كنتَ نبيًّا؟ قال: "وآدمُ بينَ الرُّوحِ والجسد" (٢). وقال: "إني عند الله


(١) أتباع الجهم بن صفوان الترمذي، الذين قالوا بنفي الصفات والتعطيل.
(٢) أخرجه الترمذي في المناقب: (١٠/ ٧٨) وقال: "حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، والإمام أحمد: (٤/ ٦٦)، وصححه الحاكم: (٢/ ٦٠٠، ٦٠٩). وانظر: "مجمع الزوائد": (٨/ =

<<  <  ج: ص:  >  >>