للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأما المسألة الخامسة فهي قول السائل: إنكم نسبتم الأمتين العظيمتين المذكورتين إلى اختيار الكفر على الإيمان للغرض المذكور؛ فابن سلام وأصحابُه أولى بذلك الغرض، لأنهم قليلون جدًّا، وأضداده كثيرون لا يحصيهم عدد.

والجواب من وجوه:

(أحدها) أنا قد بينَّا أنَّ جمهور هاتين الأمتين المذكورتين آمن به وصدَّقه، وقد كانوا مِلْءَ الأرض، وهذه الشامُ ومصرُ وما جاورهما واتصل بهما من أعمالهما، والجزيرةُ والمَوْصِلُ وأعمالهما، وأكثر بلاد المغرب (١)، وكثيرٌ من بلاد المشرق، كانوا كلُّهم نصارى، فأصبحت هذه البلاد كلها مسلمين، فالمتخلِّف من هاتين الأمتين عن الإيمان به أقل القليل بالإضافة إلى مَنْ آمن به وصدَّقه. وهؤلاء عبَّاد الأوثان كلُّهم أطبقوا على الإسلام إلا من كان منهم في أطراف الأرض بحيث لم تصل إليه الدعوة، (وهذه أمة المجوس توازي هاتين الأمتين كثرةً وشوكةً وعددًا) (٢)، دخلوا في دينه وبقي من بقي منهم كما بقيتم أنتم تحت الذلة والجزية.

(الثاني) أنا قد بينا أنَّ الغرض الحامل لهم على الكفر ليس هو مجرَّدَ المأكَلَةِ والرياسة فقط وإن كان من جملة الأغراض؛ بل منهم مَنْ حَمَلَه ذلك، ومنهم من حمله الحَسَدُ، ومنهم من حمله الكِبْر، ومنهم من حمله


(١) في "غ، ص": "العرب".
(٢) في "د": "وعدد كثير".

<<  <  ج: ص:  >  >>