للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخبر النبيُّ عن ربِّه في الحديث الصحيح أنه قال: "شَتَمَنِي ابنُ آدمَ ولم يَكُنْ له ذلك، وكذَّبنَي ابنُ آدمَ ولم يكُنْ له ذلك، أمَّا شَتْمُه إيَّايَ فقوْلُه: اتَّخذَ اللهُ وَلَدًا، وأنا الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يُوْلَدْ ولمِ يَكُنْ له كُفُوًا أحدٌ، وأمَّا تَكْذِيْبُه إيَّايَ فقولُه: لن يُعِيْدَنِي كما بَدَأنِي، ولَيْسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأَهْوَنَ عليَّ من إعَادَتِهِ" (١).

فلو أتى الموحِّدون بكل ذنب، وفَعَلُوا كلَّ قبيحٍ وارتكَبُوا كلَّ معصيةٍ ما بلغتْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ في جَنْبِ هذا الكُفْرِ العظيمِ بربِّ العَالمِيْنَ، ومَسَبَّتِهِ هذا السّبَّ، وقَوْلِ العَظَائِم فيه.

فما ظنُّ هذه الطائفة بربِّ العالمِيْنَ أن يفعلَه بهم إذا لَقُوه ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦].

ويسألُ المسيحَ على رؤوس الأشْهَادِ وهم يسمعون: ﴿يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فيقول المسيح مكذِّبًا لهم ومتبرئًا منهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: ١١٦ - ١١٧].

[فصل]

فهذا أَصْلُ ديِنهِم وأساسُهُ الذي قام عليه، وأما فُروعُه وشرائعه فهم مخالفونَ للمسيح في جميعها، وأكثر ذلك بشهادتهم وإقرارهم، ولكن


= عن عمر بن الخطاب وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح" وغيره بلفظ آخر دون عزو.
(١) أخرجه البخاري بنحوه في التفسير، سورة الإخلاص: (٨/ ٧٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>