يُحِيْلُون على البَتَاركَة والأسَاقِفَةِ، فإنَّ المسيح -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتديَّنُ بالطهارة، ويغتسل من الجنابة، ويُوجِب غسل الحائض. وطوائفُ النَّصارى عندهم أنَّ ذلك كلَّه غَيرُ واجَبٍ، وأنَّ الإنسانَ يقوم مِنْ على بَطْن المرأةِ ويبول ويتغوَّط، ولا يَمَسُّ ماءً ولا يَسْتَجْمِرُ، والبَولُ والنَّجْو يَنحدِرُ على ساقه وفَخِذِه ويصلِّي كذلك وصلاتُه صحيحةٌ تامةٌ، ولو تغوَّط وبَالَ وهو يصلِّي لم يضره، فضلًا عن أنْ يَفْسُوَ أو يَضْرَطَ!!
ويقولون: إنَّ الصلاةَ بالجنابة والبول والغائط أفْضَلُ من الصلاة بالطهارة، لأنها حينئذٍ أبْعَدُ من صلاة المسلمين واليهود، وأقْرَبُ إلى مخالفة الأُمَّتَيْن، ويستفتح الصلاةَ بالتَّصْليب بين عَيْنَيْه.
وهذه الصلاة ربُّ العالمين بريءٌ منها. وكذلك المسيحُ وسائِرُ النبيِّيْنَ، فإن هذه بالاستهزاء أشْبَهُ منها بالعبادةِ. وحاشى المسيحَ أنْ تكونَ هذه صلاته أو صلاة أحد من الحَوَارِيِّيْن، والمسيحُ كان يقرأ في صلاته ما كان الأنبياءُ وبنو إسرائيل يقرؤونه في صلاتهم من التوراة والزبور.
وطوائف النصارى إنما يقرؤون في صلاتهم كلامًا قد لَحَّنه لهم الذين يتقدَّمون ويُصلُّون بهم، يجري مجرى النَّوْح والأغاني. فيقولون: هذا قُدَّاس فلان، وهذا قُدَّاس فلانٍ، يَنْسِبُونه إلى الذين وضعوه، وهم يُصلُّون إلى الشرق. وما صلَّى المسيح إلى الشرق قط، وما صلى -إلى أن توفاه الله- إلا إلى بيت المقدس، وهي قبلةُ داودَ والأنبياءِ قَبْلَه، وقِبْلةُ بني إسرائيل.
والمسيحُ اخْتَتَنَ وأوجب الخِتَانَ، كما أوجبه موسى وهارون