للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليوم. والبريَّةُ التي بين مكةَ وطورِ سينا تسمي بريَّة فَارانَ ولا يمكن أحدًا أن يدَّعي أنه بعد المسيح نزل كتابٌ في شيء من تلك الأرض ولا بُعِثَ نبيٌ. فعُلِمَ أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد ﷺ، وهو -سبحانه- ذكر هذا في التوراة علي ترتيب الزمان (١)؛ فذكر إنزالَ التوراةِ ثم الإنجيل، ثم القرآن. وهذه الكتب نور الله وهُداه، وقال في الأول: "جاء وظهر"، وفي الثاني: "أشرق"، وفي الثالث: "استعلن"؛ فكان مجيءُ التوراة مثل طلوع الفجر، ونزولُ الإنجيل مثل إشراق الشمس، ونزولُ القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء. ولهذا قال: "واستعلن من جبال فاران" فإنَّ محمدًا ﷺ ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها أعْظَمَ مما ظهر بالكتابين المتقدِّمَيْن، كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها إذا استعلنت وتوسَّطتِ السماءَ (٢)، ولهذا سمَّاه الله: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٦]. وسمى الشمس: ﴿سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ [النبأ: ١٣] والخَلْقُ يحتاجون إلي السراج المنير أعْظمَ من حاجتهم إلي السراج الوهَّاج، فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت، وأمَّا السراج المنير فيحتاجون إليه كلَّ وقت، وفي كل مكان، ليلًا ونهارًا، سرًّا وعلانيةً.

وقد ذكر الله تعالي هذه الأماكن الثلاثة في قوله: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: ١ - ٣] فالتين والزيتون: هو في الأرض المقدَّسة التي بُعِثَ منها المسيح، وأُنزل عليه فيها الإنجيل، وطور سينين: وهو الجبل الذي كلَّم الله عليه موسي تكليمًا وناداه من


(١) في "غ": "الترتيب الزماني".
(٢) ساقط من "ب، ص، غ".

<<  <  ج: ص:  >  >>