للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه-؟ فلو اجتمع أهل الأرض لم يقدروا أن يذكروا نبيًّا جَمعَ هذه الأوصاف كلَّها -وهي باقية في أمته إلى يوم القيامة- غيره: لم يجدوا إلى ذلك سبيلًا.

فقوله: "عبدي" موافق لقوله في القرآن: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: ٢٣]. وقولهِ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١]، وقوله: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩]. وقولهِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسراء: ١]. وقولُه: "وخيرتي ورضى نفسي" مطابقٌ لقوله Object: "إنَّ الله اصْطَفَى كنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطَفَى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريشٍ، واصْطَفَاني من بني هاشم" (١).

وقوله: "لا يضحك" مطابقٌ لوصفه الذي كان عليه Object قالت عائشة: "ما رأيت رسولَ الله Object ضاحكًا حتى تَبْدُوَ لَهَواتُه، إنَّما كان يتبسم تبسُّمًا" (٢)؛ وهذا لأنَّ كثرة الضحك من خفة الروح ونقصان العقل، بخلاف التبسُّم فإنه من حُسْنِ الخُلُق وكمال الإدراك. وأما صفته Object في بعض الكتب المتقدِّمة بأنه: "الضَّحوك القتَّال" فالمراد به: أنه لا يمنعه ضَحِكُه وحُسْنُ خلقِهِ إذا كان جدًا لله وحقًّا له، ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه، فيعطي كلَّ حالٍ ما يليق بتلك الحال؛ فَتَرْكُ الضَّحِك بالكليّة مِنَ الكِبْر والتَّجبُّر وسُوء الخلُق. وكثرتُه مِنَ الخِفَّة


(١) أخرجه مسلم في الفضائل، باب نسب النبي Object: (٤/ ١٧٨٢).
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب "فلما رأوه عارضًا": (٨/ ٥٧٨)، ومسلم في الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم: (٢/ ٦١٦ - ٦١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>