للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنك شؤبوب (١) السيل، وتغيَّرت المهارى (٢) تغييرًا، رفعت أيديها وجلًا وخوفًا، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوِّخ الأرضَ وتدوس الأمم؛ لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك" (٣).

فمن رام صرف هذه البشارة عن محمد فقد رام سَتْرَ الشَّمس بالنهار وتَغْطِيةَ البحار، وأنّى يقدر على ذلك وقد وصفه بصفات عيَّنت شَخْصَهُ وأزالت عَنِ الحيران لَبْسَه؟! بل قد صرَح باسمه مرتين، حتى انكشف الصبح لمن كان ذا عَيْنَيْن، وأخبر بقوة أمته وسير المنايا أمامهم واتباع جوارح الطير آثارهم. وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد ولا تصلح إلا له ولا تنزل إلا عليه، فمن حاول صَرْفَها عنه فقد حاول صَرْفَ الأنهارِ العظيمة عن مجراها، وحَبْسَها عن غايتها ومنتهاها، وهيهات ما يروم المبطلون والجاحدون، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ولو كره الكافرون.

فمن الذي امتلأتِ الأرضُ من حَمْدِه وحَمْدِ أمته لله في صلواتهم وخُطَبِهم وأدبار صلواتِهم وعلى السرَّاءِ والضرَّاءِ وجميع الأحوال سواء، حتى سماهم الله قبل ظهورهم الحمادين!

ومن الذي كان وجهه كأن الشمس والقمر يجريان فيه في ضيائه ونوره؟!

قَدْ عَوَّدَ الطيْرَ عَادَاتٍ وَثِقْنَ بِهَا … فهُنَّ يَتْبَعْنَهُ في كلِّ مُرْتَحَلِ (٤)


(١) الشؤبوب: الدفعة من المطر.
(٢) في "غ": "المهادي". والمهارى: الإبل النجائب.
(٣) انظر معناه في العهد القديم، حبقوق: (٣/ ٣ - ١٣).
(٤) لصريع الغواني، مسلم الوليد الأنصاري. انظر ديوانه ص (١٢)، وقد جاء البيتان في المطبوعة من "الهداية" متداخلين هكذا: =

<<  <  ج: ص:  >  >>