للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلها أو ما هو في الدلالة مثلها، وإن لم يكن من جنسها، فآيات نبوته أعظم وأكبر، والعلم بنقلها قطعي، لقرب العهد وكثرة النّقلة واختلاف أمصارهم وأعصارهم واستحالة تواطئهم على الكذب، فالعلم بآيات نبوته كالعلم بنفس وجوده وظهوره، فإذا جاز القدح في ذلك كله، فالقدح في وجود عيسى وموسى وآيات نبوتهما أشد جوازًا، وإن امتنع القدح فيهما وفي آيات نبوتهما فامتناعه في محمد وآيات نبوته أشدّ (١).

ولو لم يظهر محمد لبطلت نبوة الأنبياء:

ولو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات/ ٣٧] فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه، فمجيؤه هو نفس صدق خبرهم، فكان مجيؤه تصديقًا لهم، إذ هو تأويل ما أخبروا به، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر: إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم، فإنه صدقهم بقوله ومجيئه، فشهد بصدقهم بنفس مجيئه، وشهد بصدقهم بقوله، ومثل هذا قول المسيح فيما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم عنه: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف/ ٦] فإن التوراة لما بشرت به


= لابن تيمية، "تثبيت دلائل النبوة" للقاضي عبد الجبار بن أحمد، "دلائل النبوة" للبيهقي، و"أعلام النبوة" للماوردي. و"إظهار الحق" للشيخ رحمة الله. وسيذكر المصنف طائفة من الأدلة.
(١) انظر فيما سيأتي كلام المصنف هذا في ص (٤٢٩) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>