للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك نسبةُ هذا كلِّه إلى التوراة التي أنزلها على كَلِيْمِه. فلو بلغت ذنوبُ المسلمين ما بلغت لكانت في جنب ذلك كتفلة في بحر!!

ولا تَنْس قصة أسلافهم مع شاؤول الخارجِ على داودَ؛ فإنَّ سوادهم الأعظم انضمَّ إليه وشدُّوا معه على حرب داود، ثم لما عادوا إلى طاعة داود وجاءت وفودهم وعساكرهم مستغفرين معتذرين بحيث اختصموا في السَّبْق إليه فنبغ منهم شخص ونادى بأعلى صوته: لا نصيبَ لنا في داود ولا حظَّ في شاؤول (١)، ليَمْضِ كلٌّ منكم إلى خبائه يا إسرائيليين، فلم يكن بأوشك من أن ذهب جميع عسكر بني إسرائيل إلى أخبيتهم بسبب كلمته، ولما قتل هذا الصائح عادت العساكر جميعها إلى خدمة داود، فما كان القوم إلا مثل هَمَجٍ رَعَاع، يجمعهم طبل وتفرِّقهم عصا!!.

وهذه الأمة الغضبية، وإن كانوا مفترقين افتراقًا كثيرًا، فيجمعهم فرقتان: القرَّاؤون والربانيون. وكان لهم أسلاف فقهاء، وهم صنَّفوا (٢) لهم كتابين: أحدهما يسمى "المشنا" ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة، والثاني يسمى "التلمود"، ومبلغه قريب من نصف حمل بغل. ولم يكن المؤلِّفون له في عصر واحد وإنما ألَّفوه في جيلٍ بعد جيل، فلما نظر متأخروهم إلى ذلك وأنه كلَّما مرَّ عليه الزمان زادوا فيه. وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثيرًا من أوله، علموا أنهم إنْ لم يقفلوا باب الزيادة وإلا أدَّى إلى الخَلَل الفاحش؛ فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم (٣)


(١) في "غ، ص": "شاييل".
(٢) في "غ، ص": "صنعوا".
(٣) في "غ، ص": "فقايهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>