كل ما يقال عن التسامح والتعايش والحوار- اتخذت صورًا متعددة وأشكالًا مختلفة، وتذرعت بوسائل متنوعة. وهذا كله يهدف إلى إضعاف الشعور الديني والحمية الدينية عند المسلمين، مما يؤدي إلى تفرُّقهم، ويسهِّل السيطرة عليهم، في مجال الفكر والثقافة، وفي مجال السياسة والاقتصاد. وفي الوقت نفسه يسهِّل الطريق أمام المنصِّرين والعلمانيين، ويتعاون الجميع على الطعن في الإسلام، وفي القرآن الكريم، وفي النبي ﷺ ودعوته، ثم في أصحاب النبي -رضوان الله عليهم- الذين حملوا هذا الدين.
وهذا الذي تقدم -وغيره كثير- يوجب على علماء الإسلام ومفكِّريه وقادته أن يقوموا بواجب الدعوة إلى هذا الدين، وعندئذ يبيِّنون حقيقته وأحكامه، ويردُّون الشبهات التي يثيرها الحاقدون والجاهلون والمُغْرِضون من الأعداء الظاهرين المستعلنين وغير الظاهرين المتخفِّين والمتسترين.
وقد قام هؤلاء العلماء بواجبهم -في القديم والحديث- وكان من بينهم الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب، ابن قيِّم الجوزية المتوفى سنة (٧٥١)، وكتابه "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" يقف شاهدًا ناطقًا على قيامه ﵀ بهذا الواجب، فكان من الخير أن ينال من العناية ما يستحق من الدراسة والإخراج، كي يستمر النفع به إن شاء الله تعالى.
هذا، وسنقدم بين يدي نصِّ الكتاب فقرات تتناول بداية الحوار مع أهل الكتاب، وأهم الكتب والمؤلفات التي كانت ثمرة لهذه الحوارات والمجادلات، ثم علاقة الإسلام باليهودية والنصرانية، ويتخلل ذلك بعض