الصحابة، والشاذ قراءة التابعين كالأعمش ويحيى بن وثاب وابن جبير ونحوهم وهذا الكلام فيه نظر يعرف مما سنذكره.
وأحسن من تكلم فى هذا النوع إمام القراء فى زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير بن الجزرى، قال فى أول كتابه «النشر»: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالا، وصح سندها، فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هى من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم. هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح بذلك الدانى ومكى والمهدوى وأبو شامة، وهو مذهب السلف الذى لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
قال أبو شامة فى «المرشد الوجيز»: لا ينبغى أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى أحد السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وأنها أنزلت هكذا إلا دخلت فى الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء، فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه، فإن القراءة المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه فى قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم.
قال ابن الجزرى: فقولنا فى الضابط: «ولو بوجه» تريد به وجها من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح؛ إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم كإسكان «بارئكم» و «يأمركم» وخفض و «الأرحام» ونصب «ليجزى قوما» والفصل بين المضافين فى «قتل أولادهم شركاؤهم» وغير ذلك.
قال الدانى وأئمة القراء: لا تعمل فى شئ من حروف القرآن على الإفشاء فى اللغة والأقيس فى العربية بل على الأثبت فى الأثر والأصح فى النقل، وإذا ثبتت الرواية لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
قال السيوطى: أخرج سعيد بن منصور فى سننه عن زيد بن ثابت، قال: القراءة سنة متبعة.
قال البيهقى: أراد أن اتباع من قبلنا فى الحروف سنة متبعة لا يجوز مخالفة المصحف الذى هو إمام ولا مخالفة القراءات التى هى مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغا فى اللغة أو أظهر منها.
قال ابن الجزرى: ونعنى بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتا فى بعضها دون بعض كقراءة