للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل الأول قوله:

إذا تخازرت وما بى من خزر

فإن قيل: ومن ذا الذى يتظاهر بنسيان الفضل؟.

قيل: معناه-والله أعلم-إنكم إذا استكثرتم من هجر الفضل وتثاقلتم عنه صرتم كأنكم متعاطون لتركه، متظاهرون بنسيانه. وهذا كقولك للرجل يكثر خطؤه: أنت تتحايد الصواب توقّى عارف به، وأنت معتمل لما لا يحسن، وإن لم يقصد هو لذلك.

ويحسّن هذه القراءة: أنك إنما تنهى الإنسان عن فعله هو، والتناسى من فعله، فأما النسيان فظاهره أنه من فعل غيره به، فكأنه أنسى فنسى. قال الله سبحانه: {وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ}.

وزاد فى حسنه شئ آخر، وهو أن المأمور هنا جماعة، وتفاعل لائق بالجماعة، كتقاطعوا وتواصلوا وتقاربوا وتباعدوا. فأما قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا} فلاق به فعل «نسى»؛ لأن المأمور هنا واحد؛ ولأن العرف والعادة أن الإنسان لا يكاد يحضّ على ما هو حلال له، بل الغالب المعتاد أن يكفّ عما ليس له تناوله، وعليه وضع التكليف لما يستحق عن الطاعة فيه من الثواب. قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا}، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}. والآى فى ذلك كثيرة. فقوله إذا: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا} أى:

لك فيها حظ وحلال فتناوله، فلا بأس بتناول الحلال.

ولو قيل: ولا تناس نصيبك لكان فائدته: لا تظهر سهوك عنه، وتتظاهر بنسيانك إياه، وذلك إذا ترك الحلال وهو فى صورة الساهى عنه لم تكن له فى النفوس منزلة الذى يتركه وهو عالم بحلّه له، وإباحته إياه، هذا هو العادة والعرف فيما يتعاطاه أهل الدنيا بينهم.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>