للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقراءته «وترى الناس سكرى»، بضم التاء يقوى ما قدمناه من أن أرى فى اليقين دون أرى؛ لقوله تعالى: {وَما هُمْ بِسُكارى}.

*** {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ} (٤٣) ومن ذلك قراءة ابن مسعود والزّهرى أيضا: «أو جاء أحد منكم من غيط».

قال أبو الفتح: فيه صنعة، وذلك أن هذا الحرف مما عينه واو؛ لقولهم تغوّط الرجل:

إذا أتى الغائط، وهو مطمأنّ من الأرض كانوا يقضون فيه حوائجهم. وظاهر أمر غيط أنه فعل مما عينه ياء؛ بمنزلة شيخ وبيت. وأمثل ما ينبغى أن يقال فيه: أنه محذوف من فيعل، كأنه فى الأصل غيّط، كميّت وسيد، ثم حذفت عينه تخفيفا فبقى ميت وسيد، ومثاله قيل؛ لأن العين محذوفة. فإن قلت: فإنا لا نعرف فى الكلام غيّطا كما عرفنا سيّدا وميّتا؟.

قيل: قد يجوز أن يكون محذوفا من فيعل مقدرا غير مستعمل، كما أن قولهم: يذر ويدع استغنى عنهما بترك، كما استغنى أيضا بغائط عن غيّط، وكما استغنى أيضا بذكر ولمحة عن مذكار وملمحة اللتين عليهما كسّر ملامح ومذاكير.

ويؤكد هذا أن غائطا إلى غيّط أقرب من ذكر ولمحة إلى مذكار وملمحة؛ وذلك لأن ثانى فاعل ألف زائدة كما أن ثانى فيعل ياء زائدة، والعين فيهما كليهما مكسورة، واللام تلى العين فيهما جميعا، والياء أيضا أخت الألف، فكأنهما مثال واحد من حيث ذكرنا، فبقدر هذا القرب بينهما ما حسنت إنابة فاعل عن فيعل، لا سيما وكأن غيطا فى اللفظ غيّط لقربه منه وزنا.

وفيه قول ثان، وهو أن يكون غيط فعلا وأصله غوط، إلا أن الواو قلبت للتخفيف ياء، كما قلبوها إليها لذلك فى قولهم: لا حيل ولا قوة إلا بالله، أى: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقالوا: هو أليط بقلبى من كذا، وظاهر أمره أن يكون من لطت الحوض ألوطه، أى ألصقت بعضه ببعض، فكذلك هو أليط بقلبى: إذا لصق به، وأصله على هذا ألوط، وقلبت الواو ياء استحسانا كأشياء نحو ذلك، نحو العلياء وهى من علوت، والعيصاء بمعنى العوصاء فهذا الوجه أقرب، والأول أشدّ وأصنع.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>