إلا أن هنا ضربا من التعلل صالحا، وهو أنه لك أن تقول: فاصطادوا، فتميل الألف بعد الطاء إذ كانت منقلبة عن ياء الصيد. فإن قلت: فهناك الطاء، فهلا منعت الإمالة، وكذلك الصاد.
قيل: إن حروف الاستعلاء لا تمنع الإمالة فى الفعل، إنما تمنع منها فى الاسم، نحو طالب وظالم، فأما فى الفعل فلا، ألا تراهم كيف أمالوا طغى وقضى وهناك حرفان مستعليان مفتوحان؟ وسبب ذلك إيغال الأفعال فى الاعتلال، وأنها أقعد فيه من الأسماء.
فإن قلت: فإنه لم يحك فى الطاء إمالة.
قيل: هى وإن لم تسمع معرضة، والكلمة لها معرضة فكأنها لذلك ملفوظ، كما أن من قال فى الوقف هذا ماش، فأمال مع سكون الشين نظرا إلى الكسرة إذا وصل فقال:
هذا ماش، وكما أن من قال: أغزيت نظر إلى وجوب الياء فى المضارع لانكسار ما قبل الواو فى يغزى، وكما أن من أعلّ يخاف وأصلها يخوف نظر إلى اعتلالها فى الماضى وأصلها خوف. ولولا ذلك لوجب أغزوت ويخوف لأنه لا علة فيهما فى مكانهما، وكما أن من قال فى الإضافة إلى الصّعق صعقى أقر كسرة الصاد مع فتحة العين نظرا إلى أصل ما كان عليه من كسرة العين، ولذلك نظائر.
وإن شئت قلت: لّما كان يقول فى الابتداء: اصطادوا، فيكسر همزة الوصل-نظر إليها بعد حذف الهمزة فقال:«فاصطادوا» تصورا لكسرة الهمزة إذا ابتدأت فقلت:
اصطادوا. فهذا وجه ثان لما مضى.
*** {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ}(٢) ومن ذلك قراءة ابن مسعود: «ولا يجرمنّكم» -بضم الياء- «شنآن قوم إن يصدوكم» -بكسر الألف.
قال أبو الفتح: فى هذه القراءة ضعف، وذلك لأنه جزم بإن ولم يأت لها بجواب مجزوم أو بالفاء، كقولك: إن تزرنى أعطك درهما أو فلك درهم، ولو قلت: إن تزرنى أعطيتك درهما قبح لما ذكرنا، وإنما بابه الشعر: