أعلم-وجده ضالا، كقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}، وذلك مشروح فى موضعه، فقوله أيضا:«أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ»، أى يجيره عن الحق ويصدّ عنه.
كما أن قراءة من قرأ «أعلم من يضلّ عن سبيله»: من يجور عنه، ألا ترى إلى قوله قبل ذلك:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} فلا محالة أنه سبحانه أراد بمن يضل عن سبيله، فحذف الباء وأوصل «أعلم» هذه بنفسها، أو أضمر فعلا واصلا تدل هذه الظاهرة عليه، حتى كأنه قال: يعلم، أو علم من يضلّ عن سبيله.
يؤكد ذلك ظهور الباء بعده معه فى قوله:{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقوله بعده:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}.
وقد يجوز أن تكون «من» هذه مرفوعة بالابتداء ويضل بعدها خبر عنها، و «أعلم» هذه معلقة عن الجملة، حتى كأنه قال: إن ربك هو أعلم أيّهم يضلّ عن سبيله، كقوله تعالى:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً}.
فأما الجر فمدفوع من حيث ذكرنا، وإذا كان ذلك كذلك علمت أن «من» فى قول الطائى:
غدوت بهم أمدّ ذوىّ ظلاّ … وأكثر من ورائى ماء وادى
لا يجوز أن تكون «من» فى موضع جر بإضافة أكثر إليه؛ إذ ليس واحدا ممن وراءه، فهو إذا منصوب الموضع لا محالة بأكثر أو بما دل عليه أكثر، أى كثرتهم: كنت أكثرهم ماء واد.
ولا يجوز فيه الرفع الذى جاز مع العلم، لأن كثرت ليس من الأفعال التى يجوز تعليقها، إنما تلك ما كان من الأفعال داخلا على المبتدأ وخبره، وأظننى قد ذكرت نحو هذا فى صدر هذا الكتاب.
***
{وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ}(١٣٧) ومن ذلك قراءة أبى عبد الرحمن السّلمى: «وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم».