{نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا}، وإنما أسكنت تخفيفا لثقل الكسرة فيها، وفرقوا بينها وبين لام كى بأن لم يسكنوها، فكأنهم إنما اختاروا السكون للام الأمر، والتحريك للام كى من حيث كانت لام كى نائبة فى أكثر الأمر عن أن، وهى أيضا فى جواب كان سيفعل إذا قلت: ما كان ليفعل-محذوفة مع اللام البتة، فلمّا نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها؛ لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
نعم، وقد رأيناهم إذا أسكنوا بعض الحروف أنابوه عن حركته وعاقبوا بينه وبينها، وذلك نحو الجوارى، والغواشى: صارت الياء فى موضع الرفع والجر معاقبة لضمتها وكسرتها فى قولك: هؤلاء الجوارى ومررت بالجوارى، فكأن لام كى على هذا إذا أسكنت معاقبة لأن، وكالمعاقبة أيضا لكسرتها؛ فلذلك أقروها على كسرتها، ولم يجمعوا عليها منابها فى أكثر الأمر عن أن، وقد ابتزّت حركة نفسها أيضا.
وأيضا فإن الأمر موضع إيجاز واستغناء، ألا تراهم قالوا: صه ومه، فأنابوهما عن الفعل المتصرف، وكذلك حاء وعاء وهاء.
***
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ}(١١٧) ومن ذلك قراءة الحسن: «إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله»، بضم الياء.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن تكون من فى موضع جر بإضافة «أعلم» إليها، لا فيمن ضم ياء يضل، ولا فيمن فتحها؛ من حيث كانت «أعلم» أفعل، وأفعل هذه متى أضيفت إلى شئ فهو بعضه، كقولنا: زيد أفضل عشيرته؛ لأنه واحد منهم، ولا نقول: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، ولا نقول أيضا: النبى صلى الله عليه وسلم أفضل بنى تميم على هذا؛ لأنه ليس منهم، لكن تقول: محمد صلى الله عليه وسلم أفضل بنى هاشم، لأنه منهم، والله يتعالى علوا عظيما أن يكون بعض المضلين أو بعض الضالين.