وإنا إذا ما الموت صرّح فى الوغى … لبسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
فإما أن يكون هذا الشاعر نظر إلى هذه القراءة، وإما أن يكون أراد المراد بها فسلك سنة قارئها، فاعرف ذلك ولا تقل ما يقوله من ضعفت نجيزته، وركت طريقته: هذا شاعر محدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به فى كتاب الله جل وعز؟ فإن المعانى لا يرفعها تقدّم، ولا يزرى بها تأخّر. فأما الألفاظ فلعمرى إن هذا الوضع معتبر فيها، وأما المعانى ففائتة بأنفسها إلى مغرسها، وإذا جاز لأبى العباس أن يحتج بأبى تمام فى اللغة كان الاحتجاج فى المعانى بالمولّد الآخر أشبه.
***
{وَحَرْثٌ حِجْرٌ}(١٣٨) ومن ذلك قراءة أبىّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار: «حرث حرج»، وقراءة الناس:{حِجْرٌ}.
قال أبو الفتح: قد قدمنا فى كتابنا الخصائص صدرا صالحا من تقلب الأصل الواحد والمادة الواحدة إلى صور مختلفة يخطمها كلها معنى واحد، ووسمناه بباب الاشتقاق الأكبر، نحو:«ك ل م»، «ك م ل»، «م ل ك»، «م ك ل»، «ل ك م»، «ل م ك».
وإنها مع التأمل لها ولين معطف الفكر إليها آئلة إلى موضع واحد ومترامية نحو غرض غير مختلف، كذلك أيضا يقال:«ح ج ر»، «ج ر ح»، «ح ر ج»، «ر ج ح»، «ج ح ر».
وأما «ر ح ج» فمهمل فيما علمنا، فالتقاء معانيها كلّها إلى الشدة والضيق والاجتماع.
من ذلك الحجر وما تصرف منه، نحو: انحجر، واستحجر الطين، والحجرة وبقيته، وكله إلى التماسك فى الضيق. ومنه الحرج: الضيق والجرح مثله، والحرجة: ما التفّ من الشجر فلم يمكن دخوله، ومنه الجحر وبابه لضيقه، ومنه الجرح لمخالطة الحديد للّحم وتلاحمه عليه، ومنه رجح الميزان، لأنه مال أحد شقيه نحو الأرض؛ فقرب منها، وضاق ما كان واسعا بينه وبينها.