قال أبو الفتح: ليس ينبغى أن يطلق على شئ له وجه من العربية قائم وإن كان غيره أقوى منه-أنه غلط. وعلى الجملة فقد كثر عنهم تأنيث فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث، وكان المضاف بعض المضاف إليه أو منه أو به. وأنشدنا أبو على لابن مقبل:
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت … وقع المحاجن بالمهرية الذّقن
فأنث «الوقع» وإن كان مذكرا لّما كان مضافا إلى «المحاجن»، وهى مؤنثة، إذ كان الوقع منها. وكذلك قول ذى الرمة:
مشين كما اهتزّت رماح تسفهت … أعاليها مرّ الرياح النواسم
فأنث «المر» لإضافته إلى الرياح وهى مؤنثة، إذ كان المر من الرياح، ونظائر ذلك كثيرة جدا ولا وجه للإطالة بذكرها. فهذا وجه يشهد لتأنيث الإيمان إذ كان من النفس وبها.
وإن شئت حملته على تأنيث المذكر لّما كان يعبّر عنه بالمؤنث، ألا ترى إلى قول الله سبحانه:{فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها} فتأنيث المثل لأنه فى المعنى حسنة.
فإن قلت: فهلا حملته على حذف الموصوف، فكأنه قال: فله عشر حسنات أمثالها.
قيل: حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قبل ليس بمستحسن فى القياس، وأكثر مأتاه إنما هو فى الشعر، ولذلك ضعف حمل «دانية» من قوله تعالى: {وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها} على أنه وصف جنة، أى وجنة دانية عليهم ظلالها عطفا على جنة من قوله:{وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} وجنّة دانية عليهم ظلالها: لما فيه من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه حتى عطفوها على قوله: {مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ} ودانية عليهم ظلالها، فكانت حالا معطوفة على حال قبلها، فلهذا يضعف أن يكون تقدير الآية على: فله عشر حسنات أمثالها، بل تكون أمثالها غير صفة: لكنه محمول على المعنى؛ إذ كن حسنات كما ترى.