للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالوا: قعد القرفصاء، وعدا البشكى، ووثب الحجزى. فعمل الفعل فى جميع أجزاء المصادر من لفظه ومن غير لفظه كما كان معناه-يدل على أن وضعه لاغتراق جنسه؛ إذ الفعل لا يعمل من المصادر إلا فيما كان عليه دليل. ألا تراك لا تقول: قمت قعودا، ولا خرجت دخولا؛ لأنه لا دليل فى الفعل على ذلك؟ وهذا واضح متناه فى البيان.

وإذا كان كذلك علم منه وبه أن جميع الأفعال ماضيها وحاضرها ومتلقاها مجاز لا حقيقة. ألا تراك تقول: قمت قومة؟ وقمت على ما مضى دال على الجنس، فوضعك القومة الواحدة موضع جنس القيام، وهو فيما مضى وما هو حاضر وفيما هو متلقى مستقبل-من أذهب شئ فى كونه مجازا. ولذلك ما كان شيخنا أبو على يقول: إن قولنا قام زيد فى كونه مجازا بمنزلة قول القائل: خرجت فإذا الأسد، يريد بذلك أن الأسد هنا لاغتراق الجنس، وإنما وجد ببابه أسدا واحدا، فأطلقه على جميع جنسه الذى لا يحيط به إلا خالقه، جل وعز.

فهذا كقولك: قام زيد فى وضعه إياه على البعض وإن كان مفاد «قام» الاغتراق للكل، إذ كان قيام زيد جزءا مما لا يحاط به، ولا يحاط الوهم إلا على كلا ولا على قصوره.

وهذا موضع يسمعه الناس منى ويتناقلونه دائما عنى، فيكبرونه ويكثرون العجب به، فإذا أوضحته لم يسأل عنه استحياء، وكان يستغفر الله لاستيحاشة كان منه.

وكشفت هذا الموضع يوما لبعض من كان له مذهب فى المشاغبة عفا الله عنا وعنه، فتوقف فيه، ثم قال: أو كذلك أفعال القديم عندك؟ فقلت: هذا موضع لا تعلّق له بذكر القدم والحدوث، وإنما هو طريق مسلوكة يتعاقبها القديم والمحدث تعاقبا واحدا. ألا تراك تقول: خلق الله كذا؟ أفتظن أن هذا ينتظم كل خلق فى الوهم؟ فإن قلت: نعم، لزمك أن يكون هو الخالق لأفعال العباد، ومذهبك ناف لهذا عندك، فلما بلغ الموضع بنا إلى هذا أمسك، ثم مضى فقرأ شيئا من كلام شيخنا فعاد معترفا بما قلت له منه، غير أننا أعلمنا بذلك أن العلل عنده مروية غير مدرية، وليست بحقائق ولا عقلية.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>