وكان «أبو عبيد» يختار فى هذا الحرف مذهب «عاصم» كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه «حرفا» فى سورة الجاثية، كان يقرأ به «أبو جعفر المدنى»، وهو قوله:
{لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} أى ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدنى بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرة جرو كلب … لسب بذلك الجرو الكلابا
*** ومن ذلك: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ} أكثر القراء يقرأون: «فأصّدّق أكن» بغير واو.
واعتل «بعض النحويين» فى ذلك بأنها محمولة على «موضع» فأصدق، لو لم يكن فيه الفاء، وموضعه جزم، وأنشد:
فأبلونى بليتكم لعلى … أصالحكم وأستدرج نويا
فجزم «وأستدرج»، وحمله على موضع «أصالحكم» لو لم يكن قبلها: «لعلى» كأنه قال:
فأبلونى بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان «أبو عمرو بن العلاء» يقرأ: «فأصّدّق وأكون» بالنصب، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو، كما تسقط حروف المد واللين فى «كلمون» وأشباه ذلك.
*** وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت «عائشة» رضى الله عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين، فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ فى الكتاب، فليس على رسوله صلى الله عليه وسلم جناية الكاتب فى الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن، لرجع عليه كل خطأ وقع فى كتابة المصحف من طريق التهجى:
فقد كتب فى الإمام: «إن هذن لساحران» بحذف ألف التثنية. وكذلك «ألف التثنية» تحذف فى هجاء هذا المصحف فى كل مكان، مثل: «قال رجلن» و «آخرن يقومان مقامهما» وكتب كتاب المصحف: الصلوة والزكوة والحيوة، بالواو، واتبعناهم فى هذه الحروف خاصة على التيمن بهم، ونحن لا نكتب: «القطاة والقناة والقلاة» إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه.
وكتبوا «الربو» بالواو، وكتبوا: {فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فمال بلام منفردة.
وكتبوا: «ولقد جاءك من نبأى المرسلين» بالياء «أو من ورائى حجاب» بالياء فى الحرفين جميعا، كأنهما مضافان، ولا ياء فيهما، إنما هى مكسورة.