وكتبوا: «أم لهم شركو» و «فقال الضعفو» بواو، ولا ألف قبلها.
وكتبوا: «أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاو» بواو بعد الألف، وفى موضع آخر {ما نَشاءُ} بغير واو، ولا فرق بينهما.
وكتبوا: «أولا أذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين» بزيادة ألف. وكذلك «ولا أوضعوا خلالكم» بزيادة ألف بعد لام ألف.
وهذا أكثر فى المصحف من أن نستقصيه.
وكذلك لحن اللاحنين من القراء المتأخرين، لا يجعل حجة على الكتاب. وقد كان الناس قديما يقرأون بلغاتهم كما أعلمتك.
ثم خلف قوم بعد قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة، ولا علم التكلف، فهفوا فى كثير من الحروف وزلوا وقرأوا بالشاذ وأخلوا.
منهم «رجل» ستر الله عليه عند العوام بالصلاح، وقربه من القلوب بالدين. لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته أكثر تخليطا، ولا أشد اضطرابا منه؛ لأنه يستعمل فى الحرف ما يدعه فى نظيره، ثم يؤصل أصلا ويخالف إلى غيره لغير ما علة. ويختار فى كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة.
هذا إلى نبذه فى قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، بإفراطه فى المد والهمز والإشباع، وإفحاشه فى الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضيقه ما فسحه.
ومن العجب أنه يقرئ الناس بهذه المذاهب، ويكره الصلاة بها!.
ففى أى موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟!.
وكان «ابن عيينة» يرى لمن قرأ فى صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته: أن يعيد، ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم «بشر بن الحارث» «وأحمد بن حنبل».
وقد شغفت بقراءته عوام الناس وسوقتهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف فى أم الكتاب عشرا، وفى مائة آية شهرا، وفى السبع الطوال حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشدقين، دار الوريدين، راشح الجبينين-توهموا أن ذلك لفضيلة فى القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خيار السلف ولا التابعين؛ ولا القراء العالمين؛ بل كانت قراءتهم سهلة رسلة.
وهكذا نختار لقراء القرآن فى أورادهم ومحاريبهم. فأما الغلام الريض والمستأنف للتعلم، فنختار له أن يؤخذ بالتحقيق عليه، من غير إفحاش فى مد أو همز أو إدغام؛ لأن فى ذلك تذليلا للسان، وإطلاقا من الحبسة، وحلا للعقدة.