فإن قيل: فلم كسر الأول وضم الآخر وهلا عكس الأمر؟ ففيه قولان: أحدهما أن الكسر فى نحو هذا أفشى فى اللغة فقدّم، والضم أقل استعمالا فأخر. والثانى-وهو أغمض-وهو أن «فِيهِ» الأولى ليست فى موضع رفع، بل هى منصوبة الموضع بقوله تعالى:{تَقُومَ}، من قوله: أحقّ أن تقوم فيه. و «فِيهِ» من قوله: {فِيهِ رِجالٌ} فى موضع الرفع؛ لأنه خبر مبتدأ مقدم عليه، والمبتدأ رجال، و «فِيهِ» خبر عنه، فهو مرفوع الموضع.
فلما كان كذلك سبقت الضمة لتصور معنى الظرف.
ومعاذ الله أن نقول: إن ضمة الهاء من «فِيهِ» علم رفع، كيف ذلك والهاء مجرورة الموضع ب «فى»؟ نعم وهى اسم مضمر، والمضمر لا إعراب فى شئ منه، وهى أيضا مكسورة فى أكثر اللغة. هل يجوز أن يظن أحد أن الضمة فيها علم رفع؟ لكن الكلمة مرفوعة الموضع، وتصور معنى الرفع فيها أسبق إلى اللفظ كما ذهب بعضهم فى ضمة تاء المتكلم فى نحو قمت وذهبت إلى أنها إنما بنيت على الضم لمحا لموضعها من الإعراب، إذ هى مرفوعة، وكانت أقوى من تاء المذكر والمؤنث فى نحو قمت وقمت، فكانت لذلك أحق بذلك.
وليس الظرف هنا وصفا لمسجد، بل هو على الاستئناف. والوقف عندنا على قوله:
{أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}، ثم استؤنف الكلام فقيل:{فِيهِ رِجالٌ}. وهذا أولى من أن يجعل الظرف وصفا لمسجد، لما فيه من الفصل بين النكرة وصفتها بالخبر الذى هو «أحق»، ولأنك إذا استأنفت صار هناك كلامان، فكان أفخر من الوصف من حيث كانت الصفة مع موصوفها كالجزء الواحد.
***
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ}(١٠٩) ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم بخلاف: «أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله»