نفوسهم قالوا: هو الحبيب القريب، فالقرب على كل حال من صفات المدح، فنقيضه إذا من صفات الذم، ولهذا قالوا: حبذا زيد، ولم يقولوا: حبذاك؛ لأنه موضع بشارة وتحفّ به. فالقرب أولى به من البعد، ولهذا قالوا فيمن يصطفى: قد أدناه منه، وقد قرب من قلبه، وعليه قال:
ودار أنت ساكنها حبيب … توددها إلى قلبى قريب
فهذا طريق قراءة الجماعة:{أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ}، وإن شئت كان من هذا الطّرز، وإن شئت كان من معنى اللعنة.
***
{لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}(١١١) ومن ذلك قراءة الزّهرى وسليمان بن أرقم: «لمّا ليوفّينّهم» بالتنوين. . ابن مسعود والأعمش:«إن كلّ إلا ليوفّينّهم ربّك».
قال أبو الفتح: أما «لمّا ليوفّينّهم»، بالتنوين فإنه مصدر كالذى فى قوله سبحانه:
وإنّ كلا ليوفّينهم ربّك أعمالهم لمّا، أى: توفية جامعة لأعمالهم جميعا، ومحصّلة لأعماهم تحصيلا، فهو كقولك: قياما لأقومنّ، وقعودا لأقعدنّ.
وأما «إن كلّ إلا ليوفّينّهم» فمعناه: ما كلّ إلا والله ليوفينهم، كقولك: ما زيد إلا لأضربنّه، أى: ما زيد إلا مستحق لأن يقال فيه هذا، ويجوز فيه وجه ثان، وهو أن تكون «إن» مخففة من الثقيلة، وتجعل «إلا» زائدة، وقد جاء عنهم ذلك. قال:
أرى الدهر إلا منجنونا بأهله … وما طالب الحاجات إلا معلّلا
أى: أرى الدهر منجنونا بأهله يتقلب بهم، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم. وعلى ذلك أيضا تأولوا قول ذى الرمة: