للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك وصف الأيدى بالشدة والسلاطة ألا ترى إلى قوله (١):

ترمى الأماعيز بمجمرات … بأرجل روح محنّبات (٢)

وقوله:

ترمى الحصا بمناسم … صمّ صلادمة صلاب

والأمر فى ذلك أشهر، وإنما أراد أن أيديها اختضبن بالدم فاحمررن، فذكر نعمة اليد؛ لأنها مما يصحبها الخضاب.

وعليه قال الآخر:

كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق … أيدى عذار يتعاطين الورق (٣)

فذكر العذارى؛ لأنهن مما يصحبهنّ الخضاب، فأراد انخضاب أيدى الإبل بالدم. وهذا ونحوه من لمحات العرب، وإيماءاتها التى تكتفى بأيسرها مما وراءه. ألا ترى إلى قول الهذلى (٤):

أمنك البرق أرقبه فهاجا … فبتّ أظنّه دهما خلاجا؟ (٥)

أى: فإذا اختلجت عنها أولادها حنّت إليها، فشبه حنينهن بصوت الرعد، فقدّم ذكر البرق، وأودع الكلام ذكر حدث صوت الرعد؛ لأنه مما يصحبه-وهو كثير، فكذلك قراءته: «وربأت»، دل بذكر الشخوص والانتصاب على الوفور والانبساط الذى فى قراءة الجماعة: {وَرَبَتْ}.

***


(١) هذا البيت مما أنشده أبو الحسن لابن جنى كما فى: (الخصائص ٣٥/ ١) وفيه: يحدو بها كل فتى فتيات وهن نحو البيت عامدات
(٢) الأماعيز واحدها أمعز: وهو ما غلظ من الأرض، والوجه فيها الأماعز، ولكنه زاد الياء للشعر، و «مجمرات» يريد خفافا صلبة، يقال: خف مجمر، وقوله: بأرجل إبدال من قوله: «بمجمرات». وأرجل روح: جمع أروح وروحاء، يقال: رجال روحاء إذا كان فى التقدم انبساط واتساع و «مجنبات» كذا وردت فى بعض نسخ الخصائص، ووردت فى بعضها مجبنات كرواية المحتسب. وتجنيب الرجل انحناء فيها وتوتير، وتجنيبها أيضا بهذا المعنى، وهذا فى وصف إبل. انظر: (شواهد العينى فى مبحث المعرب والمبنى، وهامش الخصائص ٣٥/ ١، «بتصرف»).
(٣) سبق الاستشهاد به فى (٢١٦/ ١).
(٤) لأبى ذويب الهذلى.
(٥) انظر: (ديوان الهذليين ١٦٤/ ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>