للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{تَسْتَأْنِسُوا} (٢٧)

ومن ذلك قول ابن عباس: أخطأ الكاتب، إنما هى «تستأذنوا» (١)، يعنى قوله: {تَسْتَأْنِسُوا}.

وكذلك يروى عن عبد الله، وروى عن أبىّ: «حتى تسلّموا أو تستأذنوا»، وكذلك قرأ ابن عباس.

قال أبو الفتح: «تستأنسوا» هنا معناه تطلبوا وتلتمسوا الأنس، كما أن «تستأذنوا» إنما معناه تطلبوا الإذن. فأما قولهم: قد استأنست بفلان فليس من هذا، إنما ذاك معناه أنست به، وليس المراد فيه طلبت الأنس منه. وأنس فى هذا واستأنس كسخر واستسخر، وهزئ واستهزأ، وعجب واستعجب، وقرّ واستقر، وعلا واستعلى. قال أوس بن حجر (٢):

ومستعجب ممّا يرى من أناتنا … ولو زبنته الحرب لم يترمرم (٣)

***

{مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣٣)

ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير: «من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم» (٤).

قال أبو الفتح: اللام فى «لهن» متعلقة ب‍ «غفور»؛ لأنها أدنى إليها؛ ولأن فعولا أقعد فى التعدى من فعيل، فكأنه قال: فإن الله من بعد إكراههن غفور لهن. ويجوز أن تكون أيضا متعلقة ب‍ «رحيم»؛ وذلك أن ما لا يتعدى قد يتعدى بحرف الجر، ألا تراك تقول: هذا مارّ بزيد أمس، فتعمل اسم الفاعل وهو لما مضى؛ لأن هناك حرف الجر، وإن كنت لا تعديه فتنصب به وهو لما مضى؟ فكذلك يجوز تعلق اللام فى «لهن» بنفس


(١) وقراءة سعيد بن جبير. انظر: (الطبرى ٨٧/ ١٨، القرطبى ٢١٣/ ١٢، الكشاف ٥٩/ ٣، البحر المحيط ٤٤٥/ ٦، الرزاى ١٩٦/ ٢٣، التبيان ٣٧٧/ ٧).
(٢) من قصيدته التى مطلعها: تنكرت منا بعد معرفة لمى وبعد التصابى والشباب المكرّم انظر: (ديوانه ١١٧).
(٣) قوله: زبنته يقول دفعته، ولم يترمرم، أى: لم يتحرك.
(٤) وقراءة ابن مسعود، وجابر بن عبد الله. انظر: (مجمع البيان ١٣٩/ ٧، القرطبى ٢٥٥/ ١٢، الكشاف ٦٧/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>