«رحيم»، وإن كنت لا تجيز: هذا رحيم زيدا، على مذهب الجماعة غير سيبويه ولأجل اللام فى «لهن».
فإن قلت: فإذا كانت اللام فى «لهن» متعلقة ب [رحيم] وإنما يجوز أن يقع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل أفتقدّم رحيما على غفور، وهو تابع له؟.
قيل: اتباعه إياه لفظا لا يمنع من جواز تقديم رحيم على غفور؛ وذلك أنهما جميعا خبران لإنّ، وجاز تقدم أحد الخبرين على صاحبه، فتقول: هذا حلو حامض، ويجوز: هذا حامض حلو. فلك إذا أن تقول: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم، وإن شئت رحيم غفور.
ويحسّن ذلك هنا أيضا شئ آخر، وهو أن الرحمة كأنها أسبق رتبة من المغفرة؛ وذلك أنه «سبحانه» إنما يرحم فيغفر، فكأن رتبة الرحمة أسبق فى النفس من رتبة المغفرة؛ فلذلك جاز، بل حسن تعليق اللام فى «لهن» بنفس «رحيم» وإن كان بعيدا عنها؛ لما ذكرناه من كون الرحمة سببا للمغفرة، فإذا كانت فى الرتبة قبلها معنى حسن أن تكون قبلها لفظا أيضا.
فإن جعلت «رحيم» صفة ل «غفور» لم يجز أن تعلّق فى «لهن» بنفس «رحيم»؛ لامتناع تقدم الصفة على موصوفها. وإذا لم يجز أن ينوى تقديمها عليه لم يجز أن تضع ما تعلق بها قبله؛ لأنه إنما يجوز أن يقع المعمول بحيث يجوز أن يقع العامل فيه، وأنت إذا جعلت رحيما صفة ل «غفور» لم يجز أن تقدمه عليه؛ لامتناع جواز تقدم الصفة على موصوفها إذا كانت حالة منه محل آخر أجزاء الكلمة من أولهما، فاعرف ذلك.
***
{فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ}(٣٥)
ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم:«فى زجاجة الزّجاجة»، بفتح الزاى فيهما (١).
قال أبو الفتح: فيها ثلاث لغات: زجاجة، وزجاجة، وزجاجة: بالفتح، والضم، والكسر.
وفى الجمع زجاج، وزجاج، وزجاج: كنعامة، ونعام، ورقاقة ورقاق، وعمامة
(١) وقراءة ابن مجاهد، وابن أبى عبلة. انظر: (الكشاف ٦٨/ ٣، الرازى ٢٣،٢٣٥، القرطبى ٢٦١/ ١٢، البحر المحيط ٤٥٦/ ٦).