للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو الفتح: الباء زائدة، أى يذهب الأبصار. ومثله فى زيادة الباء فى نحو هذا قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (*١)، وقول الهذلى:

شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت … متى لجج خضر لهنّ نئيج

أى: شربن ماء البحر، وإن كان قد قيل: إن الباء هنا بمعنى فى، أى: فى لجج البحر، والمفعول محذوف، معناه: شربن الماء فى جملة ماء البحر. وفى هذا التأويل ضرب من الإطالة والبعد، واعلم من بعد أن هذه الباء إنما تزاد فى هذا النحو كقوله: «يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ»، {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؛} لتوكيد معنى التعدى، كما زيدت اللام لتوكيد معنى الإضافة فى قولهم:

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (١)

وكما زيدت الياءان لتوكيد معنى الصفة فى أشقرىّ ودوّارىّ وكلاّبىّ، وكما زيدت التاء لتوكيد معنى التأنيث فى فرسة وعجوزة، فاعرف ذلك، ولا ترينّ الباء فى: «يذهب بالأبصار» مزيدة زيادة ساذجة. وإن شئت حملته على المعنى، حتى كأنه قال: يكاد سنى برقة يلوى بالأبصار أو يستأثر بالأبصار على ما مضى من قوله تعالى: {الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ} (٢).

***

{إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ} (٥١)

ومن ذلك قراءة علىّ عليه السلام والحسن، بخلاف، وابن أبى إسحاق: «إنما كان قول المؤمنين»، بالرفع (٣).

قال أبو الفتح: أقوى القراءتين إعرابا ما عليه الجماعة من نصب «القول»؛ وذلك أن فى شرط اسم كان وخبرها أن يكون اسمها أعرف من خبرها، وقوله تعالى: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا} أعرف من قول المؤمنين؛ وذلك لشبه «أن» وصلتها بالمضمر من حيث كان لا يجوز وصفها، كما لا يجوز وصف المضمر، والمضمر أعرف من قول


= سورة البقرة الآية (١٩٥).
(١) سبق الاستشهاد به فى (٣٦٣/ ١).
(٢) سورة البقرة (١٨٧).
(٣) وقراءة ابن أبى إسحاق. انظر: (القرطبى ٢٩٥/ ١٢، الكشاف ٧٢/ ٣، البحر المحيط ٤٦٨/ ٦، العكبرى ٨٦/ ٢، الإتحاف ٣٢٦، النحاس ٤٥٠/ ٢، مجمع البيان ١٤٩/ ٧، الرازى ٢٢/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>