للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين؛ فلذلك اختارت الجماعة أن تكون «أن» وصلتها اسم كان. ومثله {وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا} (١) أى: إلا قولهم على ما مضى، فأما قولهم:

وقد علم الأقوام ما كان داءها … بثهلان إلاّ الخزى ممّن يقودها

وأنه إنما اختير فيه رفع الخزى، وإن كان مظهرا ومعرفة كما أن داءها مظهر ومعرفة من حيث أذكره لك؛ وذلك أن إلاّ إذا باشرت شيئا بعدها، فإنما جئ به لتثبيته وتوكيد معناه، وذلك كقولك: ما كان زيد إلا قائما، فزيد غير محتاج إلى تثبيته، وإنما يثبت له القيام دون غيره. فإذا قلت: ما كان قائما إلا زيد، فهناك قيام لا محالة، فإنما أنت ناف أن يكون صاحبه غير زيد، فعلى هذا جاء قوله: ما كان داءها بثهلان إلا الخزى، برفع الخزى؛ وذلك أنه قد كان شاع وتعولم أن هناك داء، وإنما أراد أن يثّبت أن هذا الداء الذى لا شك فى كونه ووقوعه لم يكن جانيه ومسببه إلا الخزى ممن يقودها، فهذا أمر الإعراب فيه تابع لمعناه ومحذوّ على الغرض المراد فيه. وأما قوله:

وليس الّذى يجرى من العين ماءها … ولكنّها نفس تذوب فتقطر

ويروى: «ولكنه» فالوجه فيه نصب الماء، وذلك أنه رأى ماء يجرى من العين فاستكثره واستنكره، فقال: ليس هذا الذى أراه جاريا من العين ماء للعين، وإنما هو هكذا وشئ غير مائها. هذا هو الذى عناه فعبّر عنه بما تراه، ولم يعنه الإخبار عن ماء العين فيخبّر عنه بأنه هذا الشئ الجارى من العين؛ فلذلك اختار نصب الماء، ولو رفعه لجاز؛ لأنه كان يعود إلى هذا المعنى، لكنه كان يعود بعد تعب به، ومسامحة فيه، وعلاج يريد حمله عليه.

***

{أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ} (٦١)

ومن ذلك قراءة قتادة: «أو ما ملكتم مفتاحه»، مكسورة الميم بألف (٢).

قال أبو الفتح: «مفتاحه» هنا جنس، وإن كان مضافا، فقد جاء ذلك عنهم، منه قولهم: قد منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت مصر إردبّها، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.

***


(١) سورة الأعراف الآية (٢٨٢).
(٢) وقراءة أبى عمرو، وهارون. انظر: (الكشاف ٧٧/ ٣، الرازى ٣٦/ ٢٤، البحر المحيط ٤٧٤/ ٦، النحاس ٤٥٥/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>